الخميس، 3 يوليو 2014

السيناريو العراقي البديل: ثورة شعبية تبدد وهم داعش

تقول مصادر متعددة في العراق إن ما يشهده حاليا هو ثورة شعبية يقوم بها عراقيون سنة وشيعة وأكراد وضباط من الجيش العراقي السابق وحزب البعث ومجموعات من قادة العشائر لا تهدف إلى تقسيم العراق ولا إلى حرب طائفية، بل تهدف إلى القضاء على الفساد والتهميش الممنهج لقطاعات واسعة من الشعب العراقي، وإلى الخلاص من الطائفية وعودة الدولة الوطنية ووحدتها.
مدينة الموصل
ورغم الصورة الإعلامية السائدة عن تقدم وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، هناك شواهد تدل على وجود قوى أخرى
1. سرعة الاستيلاء على مدن كبرى واستراتيجية ومساحات واسعة من الأراضي في أيام معدودة.
2. فشل تنظيم داعش في سوريا طويلا لا يقدم تفسيرا منطقيا لنجاح ساحق وسريع مثل الذي نسب إليهم في العراق
3. أن هذه الحرب تجري في ظروف بيئية بالغة القسوة حيث يدور القتال في مناطق صحراوية شاسعة شديدة الحرارة، ما بين 45 و 50 درجة مئوية، وعلميا لا يستطيع الإنسان السير على قدميه في هذه الظروف أكثر من 45 دقيقة، وهو ما يعني تجنب تحرك القوات. لهذا فالبديل الوحيد أن تكون لكل منطقة رجالها الذين يقومون بدورهم على التوالي أو التوازي لا فرق.
4. مع ذلك فإن التغيير الأكبر الذي أحدثه القتال الحالي في العراق لم يكن جغرافيا بل سياسيا، بدليل

ا. المطالبات بزوال حكومة المالكي وإجراء إعادة هيكلة للنظام والجيش بما يحفظ حقوق المحافظات السنية. مثل هذه الإجراءات لا تحدث عادة أثناء الحروب بل بعدها. والتأثير الفوري للحرب على أي حكومة مركزية يدعمها ويقويها بالتفاف كل القوى حولها لصد الخطر وحماية أمن الوطن، وتأجيل الصراعات السياسية إلى أن تضع الحرب أوزارها، لكن يبدو أن تلك النظرة الوطنية مفقودة تماما في أحداث الحرب الحالية وتعاملاتها.
ب. إلغاء الحدود العراقية السورية
ج. إعلان الدولة الإسلامية في العراق وسوريا
د. الدعوة لاستقلال كردستان العراق

5. ظهور قوى سياسية تتحدث عن عودة الدولة الوطنية وعودة العراق عربيا ووقف التدخل الخارجي (إيران) مما يتعارض أساسا مع فلسفة تنظيم داعش التي لا تعترف بالقوميات. وذلك وفق ما جاء على لسان رؤساء العشائر وسياسيين ومحللين ومفكرين عراقيين في وسائل الإعلام مؤخرا من أن ما يحدث على أرض العراق هو ثورة يقوم بها تآلف عراقي من السنة والشيعة والأكراد توحدت فيه فصائل مقاومة من الضباط السابقين في الجيش العراقي السابق وشيوخ العشائر ومنظمات حزب البعث العربي وأصحاب الطريقة النقشبندية والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين، كل في منطقته، من أجل "تطهير العراق من الفساد وعودة الدولة الوطنية.

وتؤكد تلك القوى أنها تحصل على السلاح من داخل العراق ولا تتلقى، ولا تحتاج، أي دعم من أية قوى خارجية. وفي المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة المركزية قام المجلس العسكري العام للثوار والعشائر بتعيين محافظين علي بعض مناطقها اللواء أزهر العبيدي محافظا لنينوي في الموصل واللواء أحمد عبد الرشيد محافظا لصلاح الدين، وكذلك توزيع المناصب والمراكز في هذه المحافظات على الموظفين المحليين.

ويؤكد المتحدثون أن قوة داعش ليست بتلك الصورة التي أظهرها الإعلام وأن القوة الحقيقية كانت لعناصر أخرى تختلف جذريا مع تنظيم داعش في توجهاتها وفلسفتها بل وتعتبره قوة مدمرة تستحق العداء. ويثور السؤال كيف لهذا التنظيم الصغير الذي فشل في سوريا أن يسيطر علي محافظات ديالي وصلاح الدين والأنبار ونينوي وأن يحاصر العاصمة بغداد؟ ويجيبون بأن الجهد العسكري على الأرض إنما قام به ثوار لديهم قادة وضباط ذوي خبرة عسكرية وتاريخ في مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق، بالإضافة إلى أسلحة متقدمة لا يمكن أن تتوافر لتنظيم لا يتعدى قوامه بضعة آلاف من المقاتلين من جنسيات مختلفة، وليس بإمكانهم إحداث هذا التغيير الدرامي الكبير.

الدور الإيراني ودعم الشيعة
ويعتبر الزعماء السنيون تدخل إيران بإرسال الأسلحة والطائرات والأموال إلي الجيش العراقي بالإضافة إلي إرسالها، إنما هو دعم لجيش موالي لها مبني علي الميليشيات والأحزاب الدينية وأنشي برعاية أمريكية تؤسس للقابلية للانحلال، وقد أثبت فشله في المعركة الحالية بهروب القادة والجنود وتسليم أسلحتهم، وأن مثل هذا الدعم لا يمثل إلا دعما لعملائها بهدف السيطرة على العراق أو تفتيته. بالإضافة إلى أن التدخل الإيراني في العراق يحمي الدعم الذي يقدمه المالكي للاقتصاد الإيراني ولهذا تتمسك إيران به فضلا عن أنه إذا سقط المالكي تضبط الحدود ويمنع تهريب السلاح إلي سوريا ولبنان
ورغم الدعوات التي تصدر عن مراجع شيعية متعددة في بغداد لتعبئة الشباب للقتال ضد تنظيم داعش فإنها لا تستطيع تبرئة نفسها سياسيا من انتماءاتها الشيعية التي تثير الشكوك حول طبيعة العمل المطلوب وهل هو ضد داعش فقط أم ضد كافة القوى غير الشيعية تحت عنوان مقاومة الإرهاب، خاصة أن تلك المراجع لم يصدر عنها فتاوى لمقاومة الاحتلال الأمريكي أثناء احتلاله للعراق، بل واستنكرت فتاوى المقاومة التي صدرت عن القوى الأخرى.
وبهذا بلغ حجم المعضلة السياسية حد أن استبدال المالكي أصبح لا يقدم حلا كافيا حيث أن هناك صراعا سياسيا جانبيا بين الكتل الشيعية مثل التيار الصدري وعمار الحكيم وغيرها علي المراكز السياسية العراقية، وهي كتل ترى تغيير المالكي لمصلحتها وليس من أجل مصالحة وطنية شاملة تستعيد توازن القوى.

حرب إعلامية
وبينما يلوم قادة الثوار والعشائر وبعض الشخصيات العراقية الوطنية الإعلام العربي لعدم إدراك حقيقة ما يجري في العراق ويرون أنه ارتكب خطأ كبيرا باختزال المشهد في تنظيم "داعش"، يرى الإعلاميون والسياسيون خارج العراق أن الخطأ يرجع للثوار الذين تركوا الساحة الإعلامية بالكامل لصالح تنظيم داعش الذي نشط إعلاميا، ولم يقدموا أنفسهم أو يعلنوا عن تحركاتهم كما لم يعلنوا عن موقفهم من داعش من بداية الأمر. الخلاصة أن تنظيم داعش موجود ولكن ربما ليس بنفس الصورة التي تسربت إلى أجهزة الإعلام، والتي يشتبه في محاولة رئيس الوزراء نوري المالكي تسويقها لتخويف الشيعة والعالم الخارجي، وتشويه صورة الثوار بوصفهم إرهابيين تمهيدا للدعوة لقتالهم، وربما نحن أمام حرب إعلامية أكبر حجما من المعارك على الأرض.