تشهد مدينة جنيف، حيث المقر الأوربي لهيئة الأمم المتحدة ومركز كثير من الاتفاقات الدولية في التاريخ الحديث، مفاوضات بين أطراف عديدة تشتبك في الصراع العسكري الدائر في سوريا.
اتخذ الصراع السوري أبعادا طائفية وإقليمية ودولية تفرض نفسها على آليات الحوار السياسي وتعرض سورية الممزقة بين تيارات الشد والجذب إلى مخاطرات ومخاطر. فبينما يؤدي عدم الاتفاق إلى تأجيج الصراع الذي لا يلوح في أفقه غالب أو مغلوب، قد تتعرض سوريا للانقسام إلى دويلات صغيرة بفعل قوى مختلفة تحاول السيطرة على أجزاء من البلاد لصالح تكوين كيانات معظمها يدور في فلك قوى أجنبية تبحث عن تحقيق مصالح خاصة على المدى البعيد ولن يكون للشعب السوري صاحب التاريخ الرائد في مقاومة الهيمنة الخارجية أي دور يذكر غير دور الضحية.
ولا يقتصر تأثير صراع القوى في أرض سوريا على الشعب السوري أو الدولة السورية، حيث يمثل كل طرف طرفا أو أطرافا خارجية لها أياد تعبث في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وحقيقة الأوضاع في العراق وليبيا والسودان تنبيء بأن خطر التقسيم قائم وأن الصراع الذي يدار من خارج حدود سوريا يعكس مدى تعقيد الأمور الذي وصلت إليه المنطقة.
ويتمحور الحوار في جنيف الآن حول إنشاء سلطة انتقالية لها كافة الصلاحيات. وبينما يرى النظام السوري أن أي سلطة "انتقالية" يجب أن يمثل فيها النظام بشكل أو آخر، تحاول القوى المعارضة، ممثلة في ائتلاف المعارضة السورية، إقصاء النظام الحالي من تلك السلطة، مما يعني انتصارها في النهاية، ومما يفقد وصف "انتقالية" أي مدلول حقيقي. وبينما يقف كل من روسيا وإيران مع النظام، تتعدد خلفيات " المعارضة" بما قد لا يؤهلها للاتفاق فيما بينها، خاصة مع اندلاع الاشباكات بين فصائلها على الأرض.
ولا تقف الولايات المتحدة وإسرائيل موقف المتفرج من هذه القضية، فالولايت المتحدة تضع نصب عينها مصلحة إسرائيل جارة سوريا وعدوها اللدود، والتي تتمثل في إضعاف أية قوى سورية قد تتعرض لأمنها في المستقبل، وفي تقسيم سوريا إلى دويلات يسهل دحرها أو التحكم فيها.
غير أن النظام السوري، رغم وجاهة منطقه في أنه يحارب "قوى إرهابية" ليس في موقف يحسد عليه، فهو مدان بتدمير المدن السورية والتورط في قتل الآلاف وتشريد الملايين من الشعب السوري الذين فروا إلى دول الجوار.
والمنطق الأمريكي يقول أنه طالما أصبح الصراع طائفيا أو مذهبيا فالحل الأمثل هو فصل الطوائف عن بعضها البعض بتكوينات سياسية متجانسة. لكن تاريخ سوريا يقول أن تلك الطوائف والمذاهب تعايشت لتاريخ طويل في سلام وأن هذا المنطق هو قول حق يراد به باطل، إذا أنه لا يوجد أي ضمان لعدم استمرار الصراع بعد تكوين كيانات متجاورة على عداء لبعضها البعض. كما أن التسريبات المنشورة في وسائل إعلام أمريكية لخرائط تقسيم المنطقة المعدة سلفا في كواليس الإدارة الأمريكية لا تبرئ نوايا الأمريكان.