ي س/ أعد المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة تقريرا عن أسباب وتداعيات ظاهرة المقاتلين الأجانب فى مصر جاء فيها:
أجانب تورطون في أعمال عنف بالقاهرة
تمثل ظاهرة المقاتلين الأجانب أحد مصادر تهديد الأمن والاستقرار فى مصر، بعد تصاعد دورهم فى المواجهات التى اندلعت بين الأجهزة الأمنية وجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، وهو ما يفرض على الدولة تبنى آليات جديدة وفعالة للتعامل مع تداعياتها.
تحول الصراع بين الدولة وجماعات العنف المسلح فى مصر إلى بؤرة أزمات إقليمية تتقاطع فى إطارها مصالح التحالفات الداعمة لأطراف هذا الصراع، إذ تصاعدت حدة انخراط المقاتلين الأجانب فى أحداث العنف والمواجهات الدامية التى اندلعت بين الأجهزة الأمنية وجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها فى مختلف محافظات الجمهورية، وهو ما بات يفرض تهديدات مباشرة للأمن الداخلى والاستقرار الإقليمى، فضلاً عن أنه يصعد من مخاطر إعادة إنتاج نماذج الصراعات الأهلية فى العراق وسوريا واليمن وأفغانستان والصومال، بما ينطوى عليه ذلك من تداع لكيان الدولة وتفكك المجتمع.
فض اعتصامى "رابعة" و"النهضة" كشف استخدام "الإخوان" للمقاتلين الأجانب ضد قوات الأمن
ظاهرة إقليمية:
لا تعد ظاهرة المقاتلين الأجانب أحد مستجدات الحالة المصرية، بقدر كونها تمدداً لظاهرة إقليمية شائعة ارتبطت بتدفق الجهاديين من دول مختلفة على بؤر الصراع الأكثر احتداماً لاعتبارات عقائدية ودينية، فى خضم صراعات إقليمية تدار بالوكالة لمصلحة أطراف دولية، إذ تعتبر قضية المقاتلين الأجانب فى أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي فى أواخر سبعينات القرن الماضي أحد أهم تجليات دور المقاتلين الأجانب فى تأجيج الصراعات، خاصة فى ظل ارتباطها بنشأة حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" الذى تحول إلى مركز شبكة التنظيمات الإرهابية عقب أحداث 11 سبتمبر والحرب الأمريكية على أفغانستان.
بينما يعد العراق بعد الحرب عام 2003 نموذجاً آخر لتصاعد دور المقاتلين الأجانب فى بؤر الصراعات المسلحة فى الإقليم، إذ أضحى الوجود الأمريكي فى العراق حينها أحد مصادر اجتذاب نشاط عناصر تنظيم "القاعدة" والحركات الجهادية على امتداد الإقليم، خاصة من دول الجوار، مثل اليمن والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، كما أن التدخل الإيرانى الواسع كان أيضاً سبباً فى انتشار هذه الظاهرة، خصوصاً أنه أسهم فى تأجيج حرب طائفية مستعرة بين عامى 2005 و2007 فى ظل دور طاغ للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس فى تدريب المقاتلين الشيعة، وهو الأمر ذاته الذي تكرر فى اليمن بدعم إيران للحوثيين.
ويمكن اعتبار الصراع الأهلي فى سوريا أحد أهم تجليات ظاهرة المقاتلين الأجانب، حيث تعد "كتائب عبدالله عزام" و"جبهة النصرة لبلاد الشام" المرتبطتين بتنظيم "القاعدة" من أهم التنظيمات العسكرية المنتمية لفئة المقاتلين الأجانب، فى ظل تصدر قيادات مثل الموريتاني أبو المنذر الشنقيطي، وهو ما ينطبق على "لواء الأمة" بقيادة الجهاديين الليبيين المهدي الحارثي وعبدالحكيم المشري، و"لواء صقور الشام" و"كتائب أحرار الشام" التى تضم عناصر من شتى أرجاء الإقليم.
تمدد جغرافي:
لم يكن ظهور المقاتلين الأجانب طفرة جوهرية فى مسار الصراع المحتدم منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي فى ٣ يوليو الماضي، إذ إن تتبع زخم الممارسات الاحتجاجية التى نظمتها جماعة الإخوان المسلمين قبيل الموجة الثورية فى ٣٠ يونيو الماضى، حتى فض اعتصامي "رابعة العدوية"، و"النهضة" فى 14 أغسطس الماضي، يكشف عن مدى اتساع نطاق المشاركة الأجنبية فى هذه الممارسات، وما صاحبها من اشتباكات دامية، خاصة من جانب بعض الفلسطينيين والسوريين المقيمين فى القاهرة، أو بعض الوافدين لمصر قبيل ٣٠ يونيو.
بيد أن أبعاد دور المقاتلين الأجانب فى مصر بدت بصورة قاطعة أثناء فض الاعتصامين، إذ تمكنت قوات الأمن من القبض على 20 من العناصر الفلسطينية وأمريكيين اتهمتهم السلطات الأمنية باعتلاء أسطح العمارات المجاورة لميدان "النهضة" وإطلاق الرصاص على قوات الشرطة، خاصة بعد ضبط عدد من الأسلحة الآلية و3 مدافع جرينوف بحوزتهم.
وتمثل التحول الأهم فى الاشتباكات الدامية التى شهدها محيط "مسجد الفتح" فى 16 أغسطس الماضي، حيث ألقت قوات الأمن القبض على 3 أيرلنديين وتركي وسوري وأفغاني وباكستاني، فضلاً عن أحد القناصة السودانيين الذين تمركزوا فى مئذنة المسجد لاستهداف قوات الشرطة والأهالى، وفى السياق ذاته ضبطت قوات الشرطة 6 من الوافدين الأفغان والسوريين الذين ينتمون لتنظيم "القاعدة" أثناء مهاجمتهم قسم شرطة الأزبكية خلال محاولة اقتحام الإخوان المسلمين المبنى، بما يعنى أن عناصر تنظيم "القاعدة" قد تمكنت من اختراق المركز، والوصول إلى قلب العاصمة المصرية.
فى المقابل، لم ينقطع نشاط المقاتلين الأجانب من الأطراف، حيث شهدت مناطق شبه جزيرة سيناء ومحيطها الجغرافي تصاعداً لنشاط المقاتلين الأجانب، ولعل تمكن قوات الأمن من القبض على 7 من عناصر حركة "حماس" بعد حادث قتل 25 من جنود الأمن المركزي المصريين فى 19 أغسطس الماضي، من بينهم قناص، يكشف عن مدى التغلغل الذى وصل إليه المقاتلون الأجانب، وتواكب ذلك مع إعلان المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد أحمد محمد على عن أن العمليات العسكرية فى سيناء أسفرت عن القبض على 48 أجنبياً من المتورطين فى العمليات الإرهابية ضد القوات المسلحة والشرطة، فضلاً عن قتل 32 من الجهاديين الأجانب، وإصابة 54 آخرين. فى السياق ذاته، ألقت قوات حرس الحدود المصرية القبض على أحد الأردنيين المشتبه فى تورطه فى أعمال إرهابية وبحوزته جواز سفر إسرائيلي خلال محاولته التسلل لمحافظة بورسعيد من شبه جزيرة سيناء فى 20 أغسطس الماضي.
ولم يقتصر دور المقاتلين الأجانب على تنفيذ عمليات إرهابية، إنما بات يمتد إلى عمليات الاستطلاع، حيث ألقت قوات المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية القبض على فرنسي متورط فى رصد تحركات ومناطق تمركز قوات الجيش والشرطة بالإسكندرية فى 19 أغسطس الماضي، كما تمكنت قوات الشرطة من ضبط بريطاني متورط فى أحداث "رابعة العدوية" بما يكشف مدى التنوع فى جنسيات عناصر المقاتلين الأجانب المنخرطة فى الشأن المصري.
أسباب التصاعد:
يرتبط هذا التصاعد المضطرد فى أعداد المقاتلين الأجانب فى مصر بتحولات هيكلية فى طبيعة الصراع، وتكتيكات جماعة الإخوان المسلمين، وخطابها السياسي، فضلاً عن تبدل وجهة الجهاديين فى الإقليم، وفى هذا الإطار، أشار رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكى "إف بي آي" روبرت مولر، فى 23 أغسطس الماضي، إلى أن تدفقات الجهاديين الأجانب قد بدأت فى التراجع فى أفغانستان وباكستان، وبدأت فى التوجه إلى سوريا وليبيا ومصر واليمن، وهو تطور جديد يعود إلى مجموعة أسباب رئيسية تتمثل فى:
1- الاستقواء السياسي بالخارج:
لم تكف قيادات جماعة الإخوان عن مخاطبة الأطراف الخارجية للتدخل فى الشأن المصري، وإعادة الرئيس المخلوع للسلطة، خاصة خلال 48 يوماً من الاعتصام، ودعت هذه القيادات إلى تدخل الشعوب الإسلامية لإنقاذ المعتصمين، وصورت الصراع السياسي على أنه اضطهاد للتيارات الإسلامية فى مصر.
2- استنساخ النموذج السوري:
حاول قيادات التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس المخلوع إعادة إنتاج نموذج الصراع الأهلي فى سوريا من خلال تشكيل حكومة موازية فى ميدان "رابعة العدوية" وعقد جلسات لمجلس الشورى المنحل، فضلاً عن تنظيم تدريب لميليشيات مسلحة بالاستعانة بحركة "حماس" بعد فض الاعتصام، إذ كشفت مصادر أمنية، فى 25 أغسطس، عن انتقال 19 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين إلى قطاع غزة، وإشرافهم على معسكرات تدريب لكتائب إخوانية مشابهة للجيش السوري الحر، لاستهداف القوات المسلحة والشرطة.
3- استدعاء الخطاب الجهادي العالمي:
سعت بعض الرموز الدينية الموالية لجماعة الإخوان إلى تحويل مصر إلى قبلة جديدة للجهاديين فى الشرق الأوسط، من خلال الحث على الجهاد فى مصر، وهو ما يبدو جلياً فى الخطابات التحريضية المتتالية من جانب الشيخ يوسف القرضاوي التى وصلت إلى حد دعوته للجهاد فى مصر ضد القوات المسلحة والشرطة عقب اشتباكات النصب التذكاري، وهى الدعوة التى أنكرها لاحقاً، والأمر ذاته ينطبق على خطابات أيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" التى وصلت بدورها إلى حد تحريض أنصار الرئيس السابق على إعلان الحاكمية لله، ورفض الديمقراطية.
4- سيولة الحدود:
لم تتوقف التدفقات البشرية وتهريب السلاح عبر الحدود المصرية مع ليبيا وقطاع غزة والسودان، على الرغم من التدابير الأمنية المشددة التى أسفرت عن تدمير مالا يقل عن 65 نفقاً فى شبه جزيرة سيناء، وتشديد الإجراءات الأمنية، ونشر قوات إضافية على الحدود بين مصر وقطاع غزة، إلا أن الأوضاع الحدودية باتت تستعصي على الضبط نتيجة تردى الأوضاع الأمنية فى دول الجوار.
5- التنظيمات العابرة للإقليم:
يستند مؤيدو الرئيس السابق محمد مرسى إلى دعم أطراف دولية من مصلحتها تأجيج الصراع الدامي فى مصر، خاصة فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهو ما اتضح فى الوثائق التى تم تسريبها عن اجتماعات التنظيم فى تركيا قبيل نهاية يوليو الماضي، حيث
يعتبر سقوط الإخوان المسلمين فى مصر بمثابة بداية انهيار تجربة صعود التنظيم فى بعض دول الإقليم، خصوصاً فى ظل تزايد احتمالات محاكاة التجربة المصرية فى تونس واليمن.
وإجمالاً، يمكن اعتبار ظاهرة المقاتلين الأجانب أحد أهم تحديات الأمن والاستقرار فى مصر ذات الأبعاد الإقليمية، فى ظل تناقضات المصالح الدولية بين محور داعم للمسار الانتقالي فى مصر تقوده دول مثل السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، وآخر مناوئ يسعى لعرقلة استمراره وتقوده تركيا وقطر وتونس، وهو ما يفرض على الدولة المصرية خيارات محددة تشمل، أولاً، تشديد الإجراءات الأمنية لانتقال الأجانب، خاصة من بؤر الصراع الإقليمية ومناطق تمركز الجهاديين فى سوريا والعراق واليمن والسودان وباكستان وأفغانستان، وثانياً، غلق المنافذ الحدودية التى لا تخضع لتحكم كامل، خاصة الأنفاق على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وثالثاً، تكثيف الخطاب الديني الداعم للاستقرار والحفاظ على وحدة المجتمع وتماسك الدولة لمواجهة أثر الخطاب الجهادي، ورابعا، محاولة استمالة بعض التيارات الدينية، وإعادة دمجها فى العملية السياسية، وخامساً، ممارسة ضغوط قوية على المحاور الإقليمية الداعمة لمؤيدي الرئيس السابق