أخيرا حقق العرب وحدة غير مسبوقة دفعهم إليها الخطر المشترك بعد فرقة طويلة لم تفلح معها الآمال والطموحات. ولأول مرة تحقق القمة العربية أهدافها على أرض الواقع قبل أن يباشر الملوك والرؤساء العرب إلقاء كلماتهم. وفاجأ تشكيل التحالف العربي العسكري لإنقاذ اليمن من خطر النفوذ الإيراني كل التوقعات التي تنبأت بفشل القمة في تحقيق البند الأول على أجندتها وهو إنشاء قوة عربية مشتركة، بل سبق القمة إلى تنفيذ هدفها قبل انعقادها، مما يعكس اتفاق مؤكد وإرادة موحدة.
على مدى الأسابيع السابقة كانت إيران تتفاخر وتزهو على ألسنة قادتها بأنها نجحت في تطويق العرب وإنشاء مناطق نفوذ قوية في أربعة بلدان عربية هي سوريا والعراق ولبنان والآن اليمن، وأن هذه المناطق هي مرحلة في طريق إنشاء إمبراطورية "فارسية" تبتلع الأراضي العربية. وبينما استغرق التوغل الإيراني في دول الشمال سنوات طويلة عن طريق إشعال الفتن الطائفية بين سنة العرب وشيعتهم وإمداد الطوائف الموالية لها بالتمويل والسلاح، تحركت تلك القوى في اليمن بسرعة كبيرة قلبت الموازين بطريقة فجائية واستولت على السلطة بالكامل بدعم تحالف قوات موالية للرئيس اليمني المخلوع سهلت لهم الاستيلاء على المدن والقواعد العسكرية والمنشآت الحكومية ونشرت الفوضى وأشاعت الرعب بين أهالي اليمن.
أثارت هذه التطورات مخاوف عميقة لدى الأقطار العربية من أن الخطر الإيراني قد اقترب أكثر من اللازم وأصبح لزاما على العرب إيقافه وبالقوة. وهكذا انقلبت الأوضاع ضد إيران وحلفائها في المنطقة وأصبحت في موقف الدفاع بدلا من الهجوم، فضلا عن العزلة الدولية الخانقة بعد تأييد دولي هائل للعملية العسكرية العربية في اليمن.
ويختلف التدخل العربي في اليمن كليا عن تدخل سابق في الستينات فيما عرف بحرب اليمن، إذا أنها كانت بصورة أو أخرى حربا بين دولتين عربيتين على أرض يمنية هما مصر والسعودية، لكن هذه المرة تتحالف مصر والسعودية وتتحدان في الهدف والرؤية الاستراتيجية، وهذا يضيف بعدا كبير لقيمة التدخل العربي الحالي، ولمستقبل التدخلات العربية المحتملة في المستقبل.
وعلى عكس ما تتوقع إيران وقوى أخرى، لن تتوقف نتائج التدخل العسكري في اليمن عند حدود ذلك البلد، فالأخطار المحدقة بالوجود العربي لا تنحصر في التمدد الإيراني. هناك خطر تمدد التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ولبنان، ولتركيا أيضا أطماع في هذه البلاد. ثم هناك خطر انهيار الدولة في ليبيا ومحاولات التحالف الدولي تمكين الميليشيات المتطرفة من الحكم في ليبيا تحت عنوان البحث عن "حل سياسي". وأكد المجتمعون في القمة العربية بشرم الشيخ تشكيل قوة عربية موحدة لن تنتهي مهامها في اليمن، وبذلك تستغني الأمة العربية عن الاستعانة بقوى دولية لحل مشكلاتها، وهي لاتتدخل بدون ثمن.
يمثل التحالف العربي السياسي والعسكري تغيرا كبيرا في ميزان القوى في المنطقة، ليس فقط أمام القوى الإقليمية بل إنه سيمكن العرب من صد النفوذ الدولي وفرض الشروط العربية في أية اتفافات قادمة. وهكذا تشكل القمة العربية بشرم الشيخ عام 2015 علامة فارقة في تاريخ العرب الحديث