الخميس، 13 فبراير 2014

العلاقات المصرية الروسية تعيد التوازن الاستراتيجي

تأتي زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لروسيا في ظل حسابات أمريكية خاطئة ومرتبكة تجاه مصر والشرق الأوسط. 
فقد قررت الولايات المتحدة قطع المعونة العسكرية عن مصر، ثم عادت فقررت استئنافها مع ظهور الاتجاه المصري الصريح لروسيا كحليف استراتيجي، واستقلال سياساتها وقراراتها، رغم المخططات الأمريكية المعلنة والمستترة لمستقبل المنطقة، والتي وصلت إلى حد نشر خرائط تقسيم البلاد العربية إلى دويلات صغيرة، وهي خطط بدأ تنفيذها بالفعل في عدة أقطار منها العراق والسودان وليبيا وسوريا واليمن.
ولم تقدر الولايات المتحدة كم الغضب الجماهيري تجاه سياستها في الشرق الأوسط وحجم الدعوات إلى الاستغناء عن المعونة، ليس فقط لضعف حجمها وإنما كونها وسيلة ضغط تلجأ إليها الإدارة الأمريكية لمحاولة كسر الإرادة المصرية. كما كانت أيضا وسيلة تحكم في تسليح الجيش المصري، وهي مسألة حساسة خاصة عند مقارنة المعونة الأمريكية لمصر بالدعم الأمريكي لإسرائيل. 
وتدرك مصر التي خاضت حروبا عديدة ضد إسرائيل أن التوازن العسكري هو الذي يمنع الحروب وأن الإخلال بالتوازن هو الذي يغري بالحرب. وبهذا التحرك تعطي مصر انطباعا دوليا بأنها بإمكانها الاستغناء عن أي حليف يعترض مصلحة الشعب وأن الدولة المصرية ستتخذ سياسة المصالح المتبادلة. وإلى جانب صفقة السلاح المتوقعة ستفتح زيارة السيسي إلى روسيا بابا في العلاقات المصرية الدولية تم غلقه أكثر من 40 عاما، بما يصب في مصلحة البلدين في مختلف المجالات.
وللعلاقات التاريخية بين القاهرة وموسكو شواهد حاضرة تدل عل عمق ومتانة تلك العلاقات وأثرها الممتد في تاريخ مصر الحديث. بدأت تلك العلاقات بما سمي "كسر احتكار السلاح" بصفقة أسلحة تشيكية برعاية روسية عام 1955، حصلت بها مصر لأول مرة على سلاح من خارج بريطانيا التي كانت المورد الوحيد لسلاح الجيش المصري حتى ثورة 1952 وبشروط بريطانية. 
ثم حضر التأييد الروسي معركة السويس عام 1956 بتوجيه الإنذار الروسي لبريطانيا وفرنسا بسحب قواتهما من منطقة قناة السويس. وبعد المعركة جاء الروس ومعهم تقنيات لتصنيع الحديد والصلب، وقدموا دعما هائلا لبناء السد العالي حلم مصر التنموي عام 1959. 

ولم يكن السد العالي مجرد سد على نهر النيل يتيح التحكم في مياهه ويوفر أرضا زراعية جديدة ويمد مصر بالكهرباء اللازمة للتصنيع وإنارة لقرى المظلمة منذ آلاف السنين، وإنما كان تحديا سياسيا كبيرا حيث رفضت الولايات المتحدة تمويل بنائه، وأجبرت البنك الدولي على سحب عرضه بالمساهمة في إنشائه. وهكذا فالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية في مصر لا تبعد كثيرا عن السياسة الدولية، ولم يكن قرار تأميم قناة السويس الذي تسبب في حرب 1956 إلا ردا على سحب الغرب لتمويل السد.