صوت الاسكتلنديون لصالح البقاء داخل المملكة المتحدة في استفتاء جرى على استقلال اسكتلندا سبقته حملات سياسية حامية من الجانبين. أما اسكتلندا بعد الاستفتاء فقد خرجت عمليا منقسمة، حيث أيد 45% من الاسكتلنديين الانفصال بينما رفضه 55% منهم فقط، وسيغري هذا الفارق الضئيل دعاة الاستقلال للعمل أكثر لضمان النجاح في محاولة قادمة.
وتمثل اسكتلندا نحو ثلث مساحة المملكة المتحدة وتقع في الجزء الشمالي منها وتطل على بحر الشمال في الشرق والمحيط الأطلسي في الغرب وبحر النرويج في الشمال.
ويعتمد الداعون للانفصال على موارد اسكتلندا المحلية من نفط بحر الشمال كركيزة أساسية لدعم اقتصاد المقاطعة في حال استقلالها. وبينما غامرت الحكومة البريطانية برئاسة دافيد كاميرون بقبول اللجوء للاستفتاء الشعبي، سارعت الأحزاب البريطانية الثلاثة الكبرى إلى شن حملة تهدف إلى توعية الاسكتلنديين بمخاطر انفصال اسكتلندا عن المملكة بالإشارة خاصة إلى تبعات ذلك من الحرمان من المزايا الاقتصادية والاجتماعية التي توفرها لهم الدولة الأم.
ومن تلك المزايا استخدام الجنيه الاسترليني والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتعليم ومكافحة البطالة وأهم من ذلك تأمين البلاد والأعمال ضد الأزمات التي تنتج عن تقلبات النظام الاقتصادي العالمي والتي هوت باقتصاد عدة بلاد أوربية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى التمتع بالنظام الأمني والدفاعي والنفوذ الاستراتيجي تحت مظلة دولة عظمى.
وفي حال نجاح الانفصال كان على بريطانيا أن تواجه عدة مخاطر أيضا، منها الحرمان من موارد نفط الشمال، وضعف الموقف السياسي والتأثير العالمي نتيجة الظهور بشكل دولة تنقسم وتتفتت، خاصة أن هناك مقاطعات أخرى لها نزعات استقلالية هي ويلز وأيرلندا الشمالية. وتحاول اسكتلندا منذ عدة سنوات إحياء لغتها المحلية، كما فعلت قبلها ويلز وأيرلندا الشمالية، واستخدامها في المدارس والأماكن العامة والطرق والمعاملات الرسمية.
وتتكون المملكة المتحدة من 4 مقاطعات هي انجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، وتمثل أربعة أعراق مختلفة هي الإنج (الانجليز) والاسكوت، والولش والآير. وتكون الثلاث الأولى معا ما يسمى ببريطانيا، وبانضمام أيرلندا الشمالية تكون كيان المملة المتحدة. أما أيرلندا الجنوبية فقد استقلت عن بريطانيا وأصبحت جمهورية مستقلة عام 1926.
ويعتبر الأيرلنديون الجنوبيون الوجود البريطاني في أيرلندا الشمالية احتلالا من قبل قوى أجنبية يجب إنهاؤه، لكن هذه المسألة تتعقد بالاختلاف المذهبي بين سكان الشمال والجنوب في أيرلندا، حيث يتبع معظم الشماليين المذهب البروتستانتي وهو مذهب سكان بريطانيا، بينما بقي الجنوبيون على المذهب الكاثوليكي، ويضيف هذا الاختلاف إلى الاختلاف العرقي ليشعل الموقف كلما احتدم الصراع. وهو صراع دموي استمر لعقود قادته فصائل الجيش الأحمر الأيرلندي ونقلته إلى الأرض البريطانية وإلى قلب لندن للضغط على الحكومات البريطانية المتعاقبة. ولكن التدخل العسكري كان الفيصل الحاسم في المواجهات لصالح الدولة البريطانية.
أصبحت اسكتلندا جزءا من المملكة البريطانية قبل نحو 300 عام بعد عدة حروب محلية، وظلت مستقرة حتى الآن، لكن الاستفتاء الاسكتلندي، رغم فشله في تحقيق الانفصال، يمثل أخطارا مستقبلية على كيان المملكة المتحدة الباقي بعد زوال الإمبراطورية البريطانية بالجلاء عن معظم مستعمراتها عقب هزيمتها في حرب السويس عام 1956.
ولا شك أن هذه الخطوة من جانب اسكتلندا ستشجع القوى ذات النزعة القومية في المقاطعات الأخرى على العمل من أجل الاستقلال، أو على الأقل لتحقيق مكاسب أكبر في الإدارة والاقتصاد بنوع من الحكم المحلي كما وعدت السلطات البريطانية شعب اسكتلندا مقابل تصويتهم للبقاء جزءا من المملكة