نشرت صحيفة الوفد المصرية تقريرا مطولا عن العلاقات الأمريكية المصرية يقول:
غضبت مصر فسارعت أمريكا إليها.. لم تتحمل واشنطن تجاهل الحكومة الانتقالية في مصر لمطالبها بشأن المصالحة مع الإخوان وإدماجهم في الحياة السياسية فألقت بكل أوراق الضغط على القاهرة، ولكنها لم تجد استجابة فألقت بقنبلة تجميد المعونة العسكرية
ظنا منها أنه سيكون سلاحا رادعاً فإذا به يتحول الى قنبلة دخان أزاحت
آثارها الموقف الروسي والسعودي المساند للثورة المصرية.
شعرت واشنطن بالقلق من فقدان أهم مفاتيح الشرق الأوسط فسارعت بتصحيح مواقفها وجاء جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الى مصر حاملا كل أوراق الدبلوماسية في حقيبته لإعادة ترميم العلاقات المصرية الأمريكية وبناء أسس جديدة لها. عاملان دفعا الادارة الأمريكية الى الإسراع بزيارة جون كيري إلى القاهرة أولهما محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي والتسريبات التي بدأت تخرج منه بالإضافة الى موقف الكونجرس الأمريكي في جلسته الأخيرة الذي دعم الحكومة الانتقالية، وقال: إن مرسي سعى إلى إقامة دولة الخلافة وفتح الحدود لتنظيم القاعدة.
انتهت زيارة كيري للقاهرة ليخرج بأهم مكسب وهو طلبه إغلاق قضية تجسس مرسي مقابل الاعتراف بثورة 30 يونيو وهو ما حدث حيث قال للمرة الأولى في المؤتمر الصحفي الذي عقده أثناء زيارته إن ما حدث في مصر ثورة بعد أن كان يطلق عليها تحركات شعبية.
العلاقات المصرية الأمريكية ربما تسير في مسار مختلف، سيحدده الحوار الاستراتيجي بين البلدين والذي سيضع علاقة مصر وأمريكا في تقييم شامل، ولكن على كل المستويات فإن مصر ربحت وعادت إليها كرامتها ولم يعد لأمريكا أي تأثير على مراكز صنع القرار كما كان يحدث في عهدي "المخلوع" و"المعزول".
* مخاوف أمريكية من محاكمة المعزول و"كيرى" يمنحه قبلة الحياة
* كيري طلب إغلاق قضية تجسس "مرسي" وعمالته لـلمخابرات الأمريكية "سى آي إيه" مقابل الاعتراف بثورة 30 يونيو
* أمريكا لا تقف ضد ترشيح السيسي للرئاسة واللوبي الداعم للجماعة يضغط لعدم خوضه الانتخابات
* واشنطن تلقت تقارير مخابراتية تحذر من الغضب الشعبي على أوباما ومن التقارب المصري الروسي
* الحوار الاستراتيجي يعيد ترميم العلاقات المصرية الأمريكية والمساعدات العسكرية ستعود العام القادم
لم تكن زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيرى إلى القاهرة قبل ساعات من محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي سوى محاولة متأخرة من واشنطن لإصلاح وترميم علاقتها التي توترت بشدة وتغيرت مع الحكومة المصرية بعد ثورة 30 يونيو.
واشنطن وجدت نفسها فى لحظة فارقة فقدت معها السيطرة على أهم مفاتيح منطقة الشرق الأوسط وأبطل فيها مفعول كل أسلحتها الدبلوماسية والسياسية التى أطلقتها على الحكومة المصرية التي لم تنظر طويلا إلى الموقف الأمريكي ولم تهتم به وحتى عندما لعبت أمريكا بالكارت الأخير الذى تملكه وهو سلاح المعونة العسكرية، وأوقفت جزءاً من المساعدات العسكرية وظنت أنها ستجد القاهرة راكعة تلبي مطالبها فإذا بها تجد موقفا أكثر ثباتا وكأنها ألقت قنبلة دخان وسط عواصف هوائية سرعان ما زال أثرها.
فمنذ إعلان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر بساكي فى بداية أكتوبر الماضي عن تجميد جزء من المعونات العسكرية الأمريكية لمصر والتي تصل قيمتها إلى 1.3 مليار دولار والعلاقات المصرية - الأمريكية تمر بأسوأ مراحلها على الإطلاق، حيث خرجت تصريحات من وزراء ومسئولين مصريين تقلل من آثار تجميد المعونة، بل أن روسيا والسعودية دخلتا على خط المواجهة وألقى الرئيس الروسي فيلاديمير بوتن بثقله السياسي والدبلوماسي وأعلن استعداده لمساندة مصر فى الوقت الذى مارست فيه السعودية ضغوطا كبيرة حتى تعلن أمريكا تراجعها عن القرار.
شعرت واشنطن بأنها بلا أنياب حقيقية وأنها ستفقد دورا إقليميا هاما وهو ما أدركته واشنطن جيدا خاصة مع تعالى الأصوات داخل البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي للمطالبة بتصحيح العلاقات مع مصر وترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه ولكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ماطل ولم يتحرك وظل يناقش الوضع حتى جاءته صدمة من الكونجرس الأمريكي الذى عقد جلسة استماع حول الوضع فى مصر انتهت الى أن نظام الرئيس المعزول محمد مرسى سعى الى تأسيس الخلافة الإسلامية وفتح الحدود مع القاعدة، بل إن ممثل لجنة شمال إفريقيا قال في نفس الجلسة إن الاطاحة بمرسي كان إجراءً ضروريا لدى المصريين وأن الشعب خرج بالملايين من أجل تأسيس ديمقراطية جديدة في 30 يونيو الماضي.
جلسة الكونجرس كانت جرس إنذار الى أوباما والخارجية الأمريكية وبدأ كيري فى الاعداد لزيارته الى القاهرة التى جاءت بناء على طلبه، فالموقف لدى واشنطن لم يكن يحتمل أي تأخير، خاصة أنها تخسر يوميا العلاقات مع مصر منذ تجميد المعونة العسكرية وأسرع كيري فى أول زيارة له للقاهرة منذ ثورة 30 يونيو، وقبل محاكمة مرسي بيوم واحد ليضع المحاكمة على أجندة اللقاء.
وقبل حضور جون كيري إلى القاهرة بساعات كانت العلاقات المصرية الأمريكية ملبدة بالغيوم وتشهد حالة من عدم الاستقرار وهو ما عبرت عنه المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جينفر بساكي قبل أيام من حضور كيري إلى القاهرة وأقرت فى مؤتمر صحفي بأن العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر غير مستقرة وأن واشنطن تنتظر تقدما ملموسا نحو تشكيل حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا
ولكن كيري حمل حقائبه الدبلوماسية وجاء إلى القاهرة ليعيد ترميم ما أفسدته جماعة الإخوان وليضع على طاولة المفاوضات عددا من الملفات أهمها كان التأكيد على استمرار المعونة الأمريكية وبيان أن سبب منعها يعود إلى القانون الأمريكي وليس رغبة شخصية من أوباما والإدارة الامريكية، كما وضع كيري أساس العلاقات الجديدة بين مصر وأمريكا فى المستقبل.
وخلال الزيارة طلب كيري من القاهرة عدم التطرق الى قضية تجسس مرسي لصالح المخابرات الأمريكية حتى لا تهتز صورة أمريكا لدى المجتمع الدولي مقابل الاعتراف الأمريكي الكامل بما حدث فى مصر بعد 30 يونيو على أن تقوم الحكومة الانتقالية بتقديم جهود ملحوظة لتنفيذ خارطة الطريق وانتخاب حكومة ديمقراطية جديدة وهو ما اتفق عليه الطرفان وخرج كيري فى المؤتمر الصحفي بعد الزيارة ليعترف للمرة الأولى بأن ما حدث فى مصر يوم 30 يونيو ثورة شعبية.
العلاقة بين واشنطن ومصر ستشهد مرحلة جديدة وربما تتغير بشكل كلي وسيتوقف ذلك على ما ينتهي إليه الحوار الاستراتيجي الذى أعلن كيري فى زيارته عن موافقة أوباما على إتمامه بشكل كامل وهذا الحوار سيضع الأسس التى ستسير عليها علاقة البلدين سواء فى المرحلة الانتقالية أو بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد في مصر.
ولا يمكن رؤية التفاهمات التى حدثت بين الإدارة الأمريكية والحكومة الانتقالية فى مصر بمعزل عن الإخوان، فواشنطن ستبقى على علاقتها بالجماعة التى باتت تمتلك لوبي ضغط على الإدارة الأمريكية يمارس دوره الآن فى دعم الفوضى وكان سببا فى قرار إلغاء المعونة فواشنطن تريد أن تقدم جماعة الإخوان بوجه جديد خاصة أنها مازالت تعتقد أن رهانها على الجماعة هو الرابح حتى الآن وأنها قادرة على تنفيذ مشروعها الجديد فى منطقة الشرق الأوسط، لذلك ستستمر ضغوطها على الحكومة المصرية لإتمام المصالحة مع الجماعة.
المعونة العسكرية التى جمدت ستعود لمصر العام القادم فالرئيس الأمريكي عرض مشروع المعونة لمصر فى العام القادم بمبلغ 1.5 مليار دولار كمساعدات عسكرية و250 مليون دولار كمساعدات اقتصادية ولكن لجنة المساعدات الفرعية بالكونجرس التى وافقت على استمرار المعونة أجلت القرار لحين انتهاء زيارة الوفد الذي أرسلته إلى مصر للوقوف على آخر التطورات.
ملف التجسس
حلمى النمنم، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية أكد أن زيارة جون كيري إلى مصر جاءت خصيصا لمحاكمة مرسي، فزيارته إلى مصر كانت ستتم بعد المحاكمة ولكنه جاء لأن قائمة التهم الموجهة إلى الرئيس المعزول محمد مرسي تشمل التخابر مع دولة أجنبية وعلاقته بالمخابرات الأمريكية عن طريق وسيط تركي، وواشنطن لا تريد فتح هذا الملف الآن ولو تم كشفه إلى النور فى ظل قضايا التجسس الأمريكية على العالم سيهز من صورة أمريكا كثيرا ويسبب لها أزمة فى علاقاتها مع دول العالم و"كيرى" طلب إغلاق هذا الملف برمته.
وأشار النمنم إلى أن المقابل الذى قدمه كيرى لوقف تلك الزيارة اعتراف أمريكى كامل بالثورة المصرية مع إحداث تقدم فى خارطة الطريق المصرية.
وقال النمنم: إن القوى السياسية الوحيدة التى تمتلك علاقات قوية مع الأمريكان هم الإخوان علما بأن واشنطن كانت السبب وراء استمرار الإخوان فى الدولة حتى الآن، فعندما أصدر النقراشي باشا قرارا بحل جماعة الإخوان طلبت المخابرات الأمريكية من الملك فاروق استمرار الجماعة لتحجيم حزب الوفد فى ذلك الوقت لمواقفه الوطنية المشرفة والمخابرات الأمريكية هى التى طلبت من الرئيس الراحل أنور السادات أن يوقف حظر الجماعة لمواجهة المد الشيوعي، ويضيف النمنم قائلا: أعتقد أن أمريكا ستمارس ضغوطها أيضا في المستقبل بعد استقرار الأوضاع لتعيد الجماعة للحياة السياسية.
لوبي الكونجرس.. والإخوان
الدكتور سعد الدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية قال إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى القاهرة هى زيارة تفقدية للتأكد من أن استمرار العلاقات المصرية الأمريكية على النحو الذى كانت عليه فى الماضي كما أن واشنطن أرادت أن تطمئن على أن إجراءات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى تتم بطريقة سليمة.
وقال: إن كيري طلب من مصر أن تكون شريكة مع واشنطن فى ممارسة ضغوط على إيران وإحداث تقدم ملموس فى الملف السوري والتأكيد على استمرار مصر فى مواجهة الارهاب المنتشر فى سيناء خاصة أن جلسة الكونجرس الأمريكي عن مصر قالت: إن "الاخوان" سعت إلى تطبيق نظام الخلافة وفتحت الحدود للارهابيين.
وأشار إبراهيم إلى أن واشنطن تلقت تقارير مخابراتية قبل زيارة كيري تحذر أوباما من الغضب الشعبي المصري على السياسات الأمريكية فى المنطقة وأرسلت التقارير تحذيرات من التقارب المصري الروسي الذى قد يضر بالمصالح الأمريكية فى المنطقة.
وقال: إن أمريكا أدركت انها تأخرت فى تأييد التحرك الشعبي وبدا موقفها متأخرا عن أوروبا التى أيدت الثورة المصرية، وأعلنت عن استعدادها تقديم مساعدات مالية وتدريب الشرطة المصرية على فض المظاهرات بطريقة متطورة جدا.
وأشار إلى أن العلاقات المصرية الأمريكية مرت بمرحلة من التوتر بعد عزل مرسي، خاصة أن الإخوان لديهم لوبي خاص فى الكونجرس الأمريكي وفى البيت الأبيض يعمل لصالحهم ويقوم بتبييض صورتهم ويضمن لهم تأييدا فى كل المواقف التى يتخذونها ويحاول هذا اللوبي الآن الضغط على أوباما ليمارس ضغوطا على مصر لإقناع الحكومة الانتقالية بالمصالحة مع الإخوان.
خيبة أمل
ويقول الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إن زيارة كيري إلى القاهرة تمت بمبادرة من الخارجية الأمريكية وهدفها فى الأساس استعادة الثقة المفقودة فى العلاقات بين البلدين بعد الإحساس بخيبة الأمل فى مصر وعدم قدرة واشنطن على ممارسة ضغوط جديدة خاصة بعد قرار تجميد جزء من المعونة العسكرية.
وقال: إن الزيارة تحمل الجديد فى العلاقات المصرية الأمريكية ولم تتطرق الى أمور داخلية والأجواء أشبة بزيارات المسئولين الأمريكان أيام مبارك وكانت تنادي بإصلاحات فقط ولكن على الأرض العلاقات قوية بين البلدين وما قالة كيري فى المؤتمر الصحفي ليس بجديد ويحمل عودة للعلاقات بين البلدين بالصورة القديمة كما ان المعونة العسكرية ستعود.
وأشار إلى أن حديث وزير الخارجية الأمريكي فى المؤتمر الصحفي متوازن ويحمل اعترافا كاملاً بالثورة المصرية في 30 يونيو وبخارطة الطريق المصرية وما قاله عن أن أمريكا تريد حكومة منتخبة ورئيساً مدني يسير فى نفس الاتجاه الذى حددته خارطة الطريق المصرية.
وقال السيد: إن الحوار الاستراتيجي بين مصر وأمريكا مطلوب فى تلك الفترة وليس المقصود منه مناقشة المشاكل الحالية فى العلاقة ولكن البحث عما الذى تريده مصر وأمريكا من بعضهما والاتفاق على غايات مشتركة وهناك مبادرات جديدة قدمت فى هذا الإطار من قبل حتى تقدم بها الرئيس المؤقت عدلي منصور ووافق عليها أوباما.
وأشار إلى أن الحوار الاستراتيجي سياسة جرت منذ أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك وجرى بين مصر ودول أخرى مثل الصين وتم بطرق غير رسمية بين منظمات أهلية فى مصر وعدد من الدول الأخرى ولابد أن تتوسع فيه مصر بصورة رسمية مع عدد من الدول.
مأزق المعونة
وأشار اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات السابق إلى أن واشنطن لم تستطع حتى الآن أن تتحمل تبعات قرار تجميد المعونة، وهو القرار الذى أدى الى تدهور شديد فى العلاقات المصرية الأمريكية، فواشنطن تدرك أن مصر لديها أربعة ملفات هامة لابد أن تحافظ على مصر من خلالها وهى تأمين الملاحة فى قناة السويس واستمرار حربها ضد الإرهاب وضمان أمن إسرائيل واستقرار منطقة الشرق الأوسط وبدون مصر ستفقد أمريكا تأثيرها على تلك الملفات.
وأكد أن الإخوان هم سبب تدهور العلاقات المصرية الأمريكية خاصة أن واشنطن علقت عليهم الآمال في بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد وبعد الثورة تحطم المشروع ولكن أمريكا لم تفقد الأمل وستقاتل من أجل أن تقوم بإعادة الإخوان إلى الحكم مرة أخرى.
وقال إن واشنطن لا تمانع فى ترشح السيسي رئيسا للجمهورية بشرط أن يتم ذلك فى انتخابات ديمقراطية نزيهة وليس معنى حديث كيري فى المؤتمر الصحفي عن رئيس مدني أنهم يرفضون السيسي فهم يبحثون عن دعم الأقوى فى مصر الآن والسيسي هو الأقوى.
* "المعونة" .. السلاح الفاسد في مواجهة ثورة 30 يونيو
* "الريدي": اتجاه مصر لتنويع مصادر السلاح وراء التراجع الأمريكي
* "الغمراوي": ورقة الضغط الأمريكية كانت متوقعة وكنا مستعدين لها
* "أبوزيد": ثورة 30 يونيو أوقفت المخططات الأمريكية في المنطقة
ازدادت العلاقات المصرية - الأمريكية تعقيدا منذ ثورة 30 يونيو التي أدت الي عزل الرئيس مرسي وأطاحت بحكم الإخوان في مصر، حيث هددت أمريكا في ذلك الوقت باستخدام المعونة سلاحا للدفاع عن الإخوان بعد أن اعتبرت ثورة 30 يونيو انقلابا عسكريا قررت في ضوئه أن تجمد مساعداتها العسكرية والاقتصادية ولو علي سبيل الإنذار خاصة أن إزاحة الرئيس مرسي هزمت مخططات واشنطن واستراتيجياتها لفترة قادمة في مصر والشرق الأوسط كله، ولكن تلاحم قوي الشعب مع القوات المسلحة عقب ثورة يونيو لم يكن في حسبان صانع القرار الأمريكي الذي راهن علي الحصان الخاسر علي أمل فرض الهيمنة الأمريكية علي المنطقة ولا مانع من التدخل السافر في شئون مصر الداخلية وممارسة كل الضغوط الممكنة علي شعبها وجيشها من أجل فرض ما تريده بالإكراه.
مارست الولايات المتحدة في الفترة الماضية كل الضغوط علي مصر قبل ثورة 30 يونيو وبعدها بكل ضغوطها فشلت وذهبت هباء بسبب صلابة الشعب المصري وجيشه في رفض أي ضغوط والإصرار علي فرض الإرادة الوطنية المصرية، ورفضت مصر بشكل قاطع كل الضغوط الأمريكية من أجل إعادة الإخوان وإرهابهم الي واجهة الحياة السياسية في مصر، بمطالبتهم بالإفراج عن "مرسي" وقيادات الإخوان، وباتت مخططات الولايات المتحدة مفضوحة بفضل وعي الشعب المصري للمؤامرة التي كانت تحاك ضده برعاية جماعة الإخوان.
يقول السفير عبد الرؤوف الريدي، سفير مصر الأسبق في واشنطن "لا شك أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن ثورة 30 يونيو والإطاحة بالرئيس مرسي واعتبروا ما حدث في مصر انقلابا ومن هنا كان قرار الولايات المتحدة بتجميد المعونة الأمريكية بشقيها العسكري والاقتصادي لكنها وجدت بعد ذلك أن أسلوبها خاطئ، ولن يحقق لها أي مكاسب فتراجعت عن موقفها تدريجيا، خاصة بعد أن بدأت مصر في التلميح برغبتها في التنويع في مصادر السلاح وبالتالي وجدت الولايات المتحدة أن مصر لم تخضع لتلك الضغوط بل إنها واصلت المضي قدما في خارطة الطريق فضلا عن دعم العالم العربي لها خاصة السعودية وهي دولة كبري لا يستهان بها، وبالتالي اكتشفت الولايات المتحدة أن هناك خطأ في سياساتها اتضح في موقف مجلس النواب الأمريكي الذي ظهر فيه الانقسام وانحياز الكثير لمصر، ولا يمكننا أن ننكر أن الإخوان استطاعوا كسب الإعلام الأمريكي لصفهم بعد أن نجحوا في الظهور كضحية وكانت لهم اتصالات واسعة من خلال التنظيم الدولي الإخواني ومن هنا كانت نظرة أمريكا السلبية لثورة 30 يونيو واعتبارها انقلابا قررت واشنطن في ضوئه أن تجمد مساعداتها العسكرية والاقتصادية
لقد قضت ثورة 30 يونيو علي واشنطن في تمكين التيار السياسي الإسلامي من إدارة دفة الحكم في مصر ليكون مثلا يحتذى في أكثر من عاصمة عربية وكل هذا دفعها أيضا الي عدم إرسال سفير أمريكي بمصر تعبيرا عن استيائها ولكن مصر تعاملت مع هذا الموقف الأمريكي بحكمة وثبات مؤكدة أنها لا تستسلم لأي ضغوط أو أي محاولات للتدخل في شئونها الداخلية.
حائط صد
يقول السفير أحمد الغمراوي، عضو المجلس المصري للعلاقات الخارجية، إن ما يحدث علي الساحة الآن هو تنافس بين القوى الكبرى وقد استطاعت روسيا أن تفرض نفسها علي الساحة مما جعل الولايات المتحدة تستشعر بأنها لم تعد تملك زمام الأمور بالشرق الأوسط كما كانت قبل 30 يونيو، وقد ثبت للعالم أن الأمن القومي المصري هو مفتاح الأمن القومي العربي ومن هنا كان وقوف الدول العربية مثل السعودية والإمارات بجانب مصر باعتبارها "حائط الصد" لكل دول الخليج، أما عن موقف الولايات المتحدة فقد كانت منحازة لجماعة الإخوان الذين كانوا حلفاءها بعد أن تعهدوا بالمساعدة في حل المشكلة الفلسطينية من خلال إعطاء الفلسطينيين قطعة أرض من سيناء والضغط علي حماس لوقف هجماتها علي إسرائيل، باختصار كل هذه الخطط انهارت بعد ثورة 30 يونيو فلجأ الإخوان الي حلفائهم الأمريكان من أجل الضغط علي مصر وإظهار الثورة علي أنها انقلاب وكان هذا سببا في عدم اعتراف الولايات المتحدة بثورة 30 يونيو، لكن بدأ موقفها هذا يتغير بعد أن دخلت روسيا في الساحة السياسية بالمنطقة وأصبح هناك اتجاه لتنويع مصادر السلاح.
ومن ناحية أخري يمكن للسلطات المصرية إذا أرادت أن تفرض رسوما احتياطية علي مرور السفن العسكرية الأمريكية أثناء عبورها من قناة السويس مما يعني أن ورقة الضغط الأمريكية لم تكن غائبة عن التوقع المصري، بل كان هناك استعداد لها بشكل أو بآخر.
خسائر أمريكية
يقول السفير سيد أبوزيد، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية والشرق الأوسط، إن العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة كانت قوية منذ عام 1978 وظلت هكذا حتي وقت قريب ثم حدث نوع من الاختلال بعد ثورة 25 يناير التي بدأ فيها الأمريكان يدعمون فصيلا سياسيا معينا ولكن الشعب المصري لفظ هذا الفصيل، فانهارت مخططات الولايات المتحدة واستراتيجياتها لفترة قادمة وبالتالي كان رد فعلها سلبيا تجاه النظام في مصر إلا أنها تنبهت بعد ذلك أنها ليست مستعدة لأن تقدم مزيدا من الخسارة بسبب دعمها المطلق للإخوان وأصبحت بالتالي مجبرة علي تغيير موقفها من ثورة 30 يونيو باختصار أن ما حدث عقب الإطاحة بنظام الإخوان أوقف المخططات الأمريكية في المنطقة ومن هنا كان لجوء الولايات المتحدة الي الضغط بكل قوتها عسكريا واقتصاديا إلا أنه حدث الآن متغير سياسي في الموقف الأمريكي اتضح مع زيارة چون كيري للقاهرة لتكشف أن الأمريكان بدأوا يغسلون أيديهم من الإخوان رغبة في تطوير العلاقات بين البلدين.
بعد سقوط مخطط الشرق الأوسط الكبير:
* رعب أمريكي من عودة "الدب الروسي" للمنطقة
* "السعيد": "كيري" جاء ليطمئن علي "المعزول" ولاحتواء التقارب بين مصر والسعودية
* "عيسي": أمريكا تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة
* "حمدي بخيت": ليست عشوائية .. ويريدون الخروج من المأزق
ليس مصادفة أن يقوم چون كيري وزير الخارجية الأمريكية بزيارة لمصر قبل يوم من محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي كما أن التحركات الأمريكية علي هذا المستوي ليست بريئة خاصة أن "كيري" جاء بعد ساعات من قيام مدير المخابرات الحربية الروسية فيسكلاف كوندراسكو بزيارة للقاهرة ذهب بعض المحللين الي أنها تحضير لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرتقبة للقاهرة فما أسباب زيارة كيري للقاهرة في هذا التوقيت وما مدلول تصريحاته التي تعد تدخلا في الشأن المصري، هل هي محاولة جديدة لوضع مصر تحت الهيمنة الأمريكية؟
حسب شبكة آر تي الروسية، أعلنت موسكو إطلاق قمر صناعي عسكري لرصد تحركات واتصالات المسلحين في سيناء وفي الوقت نفسه أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد روسيا لتزويد مصر 55 طائرة حربية حديثة من طراز الميچ حال موافقة مصر، ردا علي قرار الإدارة الأمريكية تعليق جانب من المساعدات العسكرية
ومن هنا فقد جاءت زيارة "كيري" للقاهرة لتمثل تحولا في المواقف الأمريكية ومعبرة عن مدي القلق الأمريكي من تنامي العلاقة بين مصر وروسيا لكون ذلك سيؤثر علي موازين القوي في العالم. ويذهب الكثير من الخبراء الي أن إصرار أمريكا علي إيجاد صيغة توافقية بين الإخوان الذين يعدون حليفهم الاستراتيجي في المنطقة والسلطات الحاكمة في مصر يمثل إصرارا أمريكيا في الحفاظ علي نفوذها القوي في المنطقة.
رغبات متبادلة
المواقف التي تتخذها القاهرة علي المستوي الرسمي والشعبي أصبحت أكثر ميلا للتوجه نحو تنمية العلاقات مع روسيا بعد المواقف الأمريكية تجاه مصر ورغبتها في إثارة الفوضي ووقوفها بجانب الإخوان الذين أصبحوا أعداء للشعب قبل المؤسسات الرسمية للبلاد.
تصريحات وزير الخارجية نبيل فهمي أثبتت أنه جدير بهذا المنصب ويبذل جهودا غير عادية للحفاظ علي دور مصر الإقليمي والعالمي وتصب في اتجاه تنمية العلاقات مع الروس واستجابة لرغبة الروس في إعادة هذه العلاقات التي خسرتها عقب حرب 73 وهو ما يحدث عنه تصريحات "فهمي" بأن العلاقات بين مصر وأمريكا ليست علي ما يرام بعد ثورة 30 يونيو وحديثه عن ضرورة الحفاظ علي العلاقات مع أمريكا وأن التقارب المصري الروسي ليس موجها ضد أمريكا وإنما يأتي في إطار رغبة مصرية لتنمية علاقاتها مع كل دول العالم وأن تنويع مصادر السلاح يأتي في إطار توجه الإدارة المصرية الجديدة التي لا ترغب في تحديد مصادر تسليح البلاد وأن القرار المصري بعد 30 يونيو أصبح مستقلا وعلي جميع الدول أن تحترم ذلك.
هذه التصريحات التي تصدر عن وزارة الخارجية المصرية لها دلالتها لدي الكثيرين ويفهمها الأمريكان والروس ويتحركون في ضوء هذا التوجه المصري الذي يمثل لأمريكا إزعاجا لخشيتها أن تخسر مصر وتفقد قوتها في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد توتر العلاقات بين أمريكا والسعودية التي تعد الركيزة الثانية لها في منطقة الشرق الأوسط وبخسارة السعودية ومصر تكون أمريكا قد قضت علي نفوذها في المنطقة وأفسحت المجال أمام الدب الروسي الذي أصبح لديه رغبة قوية في تدعيم هذه العلاقات خاصة بعد تعرض سوريا لحرب أهلية دامية تهدد استقرارها والتي تعد المنفذ الوحيد للروس لتقديم الخدمات اللوجيستية للأسطول الروسي في البحر المتوسط.
وتواجه أمريكا الآن أكثر أوقاتها صعوبة تجاه الدب الروسي وليس أمامها سوى عقد صفقات كتلك التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي بالتزامن مع محاكمة المعزول ومؤتمر جنيف حتي لا تجد أمريكا نفسها مضطرة لتقديم مزيد من التنازلات التي تمثل إهانة لها. تحركات "كيري" تأتي للتستر علي علاقة أمريكا بجماعات عنف وقتل مثل الإخوان وجماعات تكفيرية وجهادية تقوم بقتل الشعب والجيش المصري وشرطة مصر وتحرق الكنائس.
اطمئنان علي "الزبون"
الدكتور رفعت السعيد الرئيس الشرفي بحزب التجمع وصف زيارة "كيري" لمصر في هذا التوقيت وقبل محاكمته بيوم بأنه جاء للاطمئنان علي "الزبون". واستطرد قائلا: المخابرات في كل دول العالم لا تفرط في عملائها ومرسي عميل أمريكي وزيارة "كيري" في هذا التوقيت لشد أزر "مرسي" وأنه ليس وحيدا وأنهم مازالوا يدعمونه. وهذا سر النشوة والفرعنة التي ظهر بها "مرسي" أثناء المحاكمة. وأضاف السعيد: المخابرات تعقد صفقات لتخليص عملائها مثل مبادلتهم بأشخاص مقبوض عليهم أو تقديم خدمات ومنافع مقابل الإفراج عنهم ولكن وحسب تقديري فإن "كيري" فشل في عقد مثل هذه الصفقة لأن القيادة في مصر الآن لا تقبل مثل هذه الصفقات.
وعن أهداف زيارة "كيري" أشار "السعيد" إلي أنها تأتي معبرة عن الفزع الأمريكي من التعاون المصري الروسي خاصة في مجال التسليح وكذلك الفزع من التلاحم المصري السعودي الخليجي.
وأضاف أن "كيري" والإدارة الأمريكية خسرت الرهان وفشلت في تنفيذ أجندتها في المنطقة وأول هذه الأهداف كان القضاء علي القضية الفلسطينية واتفاق "مرسي" علي التنازل عن 20 كيلو مترا بطول الحدود المصرية من سيناء في سبيل إنشاء إمارة غزة الكبرى وإنهاء القضية الفلسطينية وبانتهاء مرسي انتهى المخطط الأمريكي. ويؤكد "السعيد" أن أمريكا كانت تراهن علي القضاء علي "الأسد" وأن يتولى الإخوان الحكم في سوريا مشيرا إلي أن دعم الروس للأسد، بالإضافة إلي الخوف من سيطرة تنظيم القاعدة على سوريا، والضرر الذي سيلحق بإسرائيل من وراء ذلك جعل أمريكا تتراجع عن الإطاحة بالأسد.
ترتيب أوراق
الكاتب الصحفي والمفكر السياسي صلاح عيسى له وجهة نظر مختلفة فهو يرى أن نتائج هذه الزيارة إيجابية وليس لها علاقة بمحاكمة "مرسي" وأن الإدارة المصرية هي التي طلبت تقديم موعد الزيارة نظرا لارتباط المسئولين المصريين بارتباطات خارجية خاصة الوزير نبيل فهمي. ووصف الزيارة بأنها تأتي في إطار إعادة ترتيب الإدارة الأمريكية لأوراقها بشأن علاقتها بمصر وعدد من دول المنطقة، ويري أن الزيارة أحبطت جماعة الإخوان بعد تصريحات "كيري" بأن أمريكا تدعم الحكومة الانتقالية وأن علاقة أمريكا بمصر علاقة استراتيجية وهذه العلاقة لا تقتصر علي المساعدات العسكرية بين البلدين. وأشار "عيسي" الي أنه علي الإدارة الأمريكية وكافة دول العالم أن تقدر موقف الشعب المصري وأن ترضخ لهذه الرغبة الرافضة للإخوان.
الخروج من المأزق
اللواء حمدي بخيت الخبير الاستراتيجي أشار إلي أن زيارة شخصية كبيرة مثل "كيري" لها دور في اتخاذ القرار لدولة كبري مثل أمريكا وهي لا تكون عشوائية، موضحا أن هذه الزيارات بهذا الحجم يكون لها هدفان أولهما اهتمامات الدولة وفي هذه الحالة أمريكا بدول المنطقة وثانيهما الاستحقاقات القادمة في هذه المنطقة. مضيفا أنه بعد فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير تحاول أمريكا الخروج من هذا المأزق ويحسب لمصر أنها أفشلت هذا المخطط الأمريكي. كما أن هناك استحقاقات في الفترة القادمة خاصة بالنسبة لسوريا وإيران والتحول في السياسة الإيرانية وهذا الوضع تنظر له السعودية نظرة متشككة في النوايا السورية والإيرانية وكذلك هناك استحقاق وخارطة الطريق في مصر ومراقبة أمريكا لتنفيذها. وأوضح أن زيارة «كيري» لم تكن مفاجئة بل مرتبطة بالنشاط الروسي في المنطقة خاصة في مصر وأن زيارة مدير المخابرات الحربية الروسية والحديث عن زيارة وزير الخارجية الروسي ثم الرئيس الروسي لمصر لهو دلالة علي أن هناك تحركا روسيا قويا لعقد اتفاقيات خاصة عسكرية واقتصادية لاستعادة الدور الروسي في المنطقة.
* زيارة "كيري" تزيد موجات الغضب ضد السياسات الأمريكية
* "السادات": توقيت الزيارة يثير تساؤلات صعبة .. "عودة": للضغط علي القاهرة قبل المحاكمة
* "بيومي" استكشافية لاستطلاع مجريات الأوضاع في مصر
* "هجرس": واشنطن باعت "مرسي"
ظل السؤال الكبير يدور حول تزامن توقيت زيارة وزير الخارجية الأمريكي چون كيري لمصر، قبل يوم من بدء محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي والذى حظيت فترة حكمه بدعم وتأييد أمريكا يثير العديد من التساؤلات حول تلك الزيارة، خاصة أن أي تصرف أو إجراء أمريكي لا يأتي وليدة الصدفة، علي عكس ما خرجت به علينا التصريحات الدبلوماسية الأمريكية، مما زاد من موجات الغضب ضد السياسات الأمريكية، خصوصاً أن الزيارة تأتي في وقت غير مناسب لمصر وتعطي إيحاءات بوجود ضغوط أمريكية لصالح الإخوان.
اتفقت آراء الدبلوماسيين والسياسيين علي أن الزيارة كان مخططا لها مسبقا من قبل الإدارة الأمريكية، ولكن هذه الآراء تباينت حول سبب الزيارة فالبعض يراها مخططة للضغط علي مصر قبل محاكمة مرسي، فيما يراها آخرون محاولة لاسترضاء الإدارة المصرية وتخفيف نقمة الشعب المصري علي السياسة الأمريكية التي لا تخلو من تراجعات تكتيكية بعد الدعم الذي قدمته للحكم الإخواني السابق.. ولم تكن لها علاقة بالمحاكمة، بعدما فشلت محاولات أمريكا في استخدام أساليب التهديد مع الإدارة المصرية
محمد أنور عصمت السادات، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية رئيس حزب الإصلاح والتنمية، يؤكد أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لمصر في هذا التوقيت بالذات مخطط لها بالتأكيد، خاصة أن فترة حكم الإخوان حظيت بدعم وتأييد أمريكا، لذا أطالب مؤسسة الرئاسة عقد مؤتمر صحفي يتم فيه توضيح سبب الزيارة وتجيبنا عن الأسئلة التى تدور في ذهن المواطن بشأن زيارة كيري وما تم خلالها من أحاديث ومشاورات ومناقشات.. وارتباطها المباشر أو غير المباشر بمحاكمة مرسي ورموز الإخوان، أم أنها تأتي فى إطار ترتيب الأوضاع وإعادة الدفء للعلاقات المصرية الأمريكية أو ردا على التقارب المصري الروسي أم تتعلق بما يدور فى سوريا، وكل هذه الأسئلة وغيرها تستوجب من الرئاسة التوضيح .
وقال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن زيارة جون كيري لمصر هي زيارة استكشافية لاستطلاع مجريات الأوضاع في أهم دول المنطقة ويأتي في مقدمتها مصر، ومحاولة البحث عن موضع قدم داخل مصر بعدما شعرت واشنطن بالقلق من الاتصالات الأخيرة والتقارب "المصري – الروسي"، خاصة بعد قرار واشنطن بوقف المعونة العسكرية وسعي مصر لتنويع مصادر أسلحتها من عدة دول لها ثقلها إقليميا ودوليا، إضافة إلي الدعم الخليجي لمصر.
وقال السفير "بيومي": بعد شعور أمريكا بخطورة موقفها كلاعب محوري ورئيسي في منطقة الشرق الأوسط وأنها أصبحت غير قادرة علي السيطرة علي علاقاتها مع مصر ودول الخليج العربي، فقد سعت للحفاظ علي علاقاتها مع مصر بأي طريقة، بعدما حدث تدهور كبير في هذه العلاقات بسبب دعم الإدارة الأمريكية للإخوان، وبالفعل نجحت الإدارة الأمريكية بنسبة 60% في تحقيق أهدافها من زيارة "كيري" للقاهرة.
أحمد عودة، أستاذ القانون وعضو الهيئة العليا بحزب الوفد، يقول: "لا أستبعد أن تكون الزيارة ضغطا علي مصر قبل محاكمة مرسي، ولكن لا يجوز لأي شخص أو جهة أن تتدخل في شأن قضائي، لأن هذا الأمر مرفوض تماما.. ولا نقبله ولن يقبله القضاء المصري علي الإطلاق.
وأضاف "عودة": المفروض ألا ترتبط هذه الزيارة بموضوع محاكمة الرئيس المعزول، لأن هذا لو صح فهو يعتبر تدخلا في شأن داخلي لمصر ونحن لا نقبل من أي قوة أجنبية ان تتدخل في شئوننا الداخلية وإذا كان التصريح الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية ينفي وجود ارتباط بين الزيارة والمحاكمة، إلا أننا نراقب الموقف فإذا ما كانت قد جرت زيارة من كيري إلي الرئيس المعزول في السجن فإن هذا كان سيؤكد صحة ما توقعه البعض ونحن نؤكد أن شعب مصر يرفض تدخل أي قوة أجنبية في شئوننا الداخلية.
الدكتور أحمد صقر عاشور، ممثل منظمة الشفافية والفساد في مصر، أكد أن ظهور كيري وزير خارجية أمريكا في المشهد السياسي قبل محاكمة المعزول بيوم واحد يوضح أسباب ودوافع حضوره المخططة مسبقا، فلم تكن الزيارة بمحض الصدفة كما صرحت واشنطن في وسائل الإعلام المختلفة بالكذب، خاصة أن الإدارة الأمريكية ظلت تدعم جماعة الإخوان لسنوات طويلة وتحديداً منذ 2005 وكانت تقوم بتجهيزهم وتحضيرهم لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة العربية والاستفادة وتحقيق كل أهدافها من وراء وجود الإخوان في مناصب رفيعة بالدولة.
وتابع: "لم أستبعد تدخل كيري من بعيد في مجريات المحاكمة، وتحقيق كل أهدافها ولكننا نؤكد أن أي ضغوط مرفوضة، ولن نسمح بها، لأن ثورة 30 يونيه هي تعبير عن إرادة الشعب المصري، الذي لن يقبل بأي تدخل خارجي في شئوننا.
الكاتب الصحفي سعد هجرس، يقول: بصرف النظر عن التصريحات الدبلوماسية التي لم تكن صادقة تماما في كل الأحوال، فالزيارة التي جاءت عشية محاكمة الدكتور محمد مرسي تجعلنا يمكن أن نقول إن الإدارة الأمريكية باعت "مرسي" وهذا كان واضحا في تصريحات كيري الذي ذكر فيها أنه يدعم خارطة الطريق ثم تصريحاته في دولة السعودية بعد مقابلته للملك الأمير سعود الفيصل الذي دعم مصر في التحول الاقتصادي .
ويري "هجرس" أن الإدارة الأمريكية تسعي لتصحيح ما أفسدته بتحالفها مع الإخوان، وترميم الشروخ العميقة التي حدثت في هذه العلاقة، خاصة بعد قرار الإدارة الأمريكية بالتجميد الجزئي للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، كما أن الزيارة كانت أكبر من محمد مرسي بعد أن أصبح كارتا محروقا عند الأمريكان، وإنما الدافع الأساسي من ورائها هو خوف الإدارة الأمريكية من تحولات أعمق تتم في مصر حاليا، بعد الحماقة الأمريكية السابقة وخصوصاً ما أدت إليه من زيارة رئيس المخابرات العسكرية الروسية إلي مصر وظهور بوادر نية الإدارة المصرية بتنويع مصادر الأسلحة والحصول عليه من روسيا والصين وما يعنيه ذلك من تحول استراتيجي في علاقات مصر الخارجية سيؤدي الي أن تخسر أمريكا علاقتها الاستراتيجية بمصر.
وأضاف أنه فات أوان إرسال أمريكا رسائل تهديدية لمصر، بعد محاولة ممارسة سياسة العصا والتهديد التي وصلت إلي حد العقوبات وذلك بتجميد المساعدات العسكرية لمصر والتي جاءت بنتائج عكسية تماماً ومن ثم أدركت أمريكا أن هذه السياسة لن تفلح مع مصر.