العربية/ نشر معهد العربية للدراسات تقريرا تحليليا حول "تطهير القضاء في مصر بيم الحقيقة والادعاء قال فيه:
نحن أمام "مذبحة جديدة للقضاء" تؤكد أن الإخوان لا يتذكرون من حقبة الستينيات إلا ما فعله بهم الرئيس عبد الناصر ومذبحة القضاء. "تطهير القضاء" هذا المصطلح الذى صارت المطالبة به ترتفع وتنخفض كموج البحر
فى الآوانة الأخيرة، هذا هو المصطلح الذي حاول به نظام فاشل إلهاء الشعب
به عن خطاياه وتضليل البسطاء، واتهام القضاء والقضاة المصريين بأنهم سبب
الكوارث التي تلف المصريين من كل جانب سياسة واقتصادا واجتماعا
بفضل أداء من لا يحسنون الأداء، ولا يجيدون شيئا سوى الاستحواذ والهيمنة والانفراد دون تقدير للاختلاف والاتساع الذي يتميز به المجتمع المصري المتنوع! ودون أدنى حد من الإيمان بمبدأ استقلال القضاء الذي هو حائط الأمان الأخير للعدالة متى أرادها الناس في وجه كل سلطة غاشمة ظلوم، ولطالما وقف القضاء ضد نظام مبارك وضد تشريعاته ومع المظلومين في كل اتجاه ومنهم، وفي مقدمتهم من هم في جانب السلطة الآن.
كانت أول معارك مرسي مع القضاء، الذي حمل زورا جريرة ليست جريرته، فالقانون قانون والهوى هوى والرأي رأي، وأتت دعوى تطهيرهم- تدنيسا- باستهداف استقلال القضاء وسلطة أحكامه، وأن هذا التطهير الادعاء هو الدواء الشافى من سم القضاة الفاسدين، وهو الأمر الذي لم يقف عند هذا الحد بل امتد النظام وأتباعه، وتمادوا بأن أرسلوا أتباعهم المنساقين كالعميان لينالوا قضاة مصر، الذين هم دررها وحصن عدالتها، ودار قضائهم العالي بالأذى والبهتان يوم الجمعة الأسود في 19 أبريل الماضي، وبلغ بهم وبمرشديهم من الوقاحة حد الدعوة لمحاصرة بيوت القضاة الشخصية يوم الأحد 21 أبريل الماضي.
مفهوم تطهير القضاء.. إرث الاستبداد دائما
من المناسب ابتداء أن نوضح أن مصطلح "تطهير القضاء" بدأ بدفع من بعض الساسة الفرنسيين فى أعقاب الثورة الفرنسية رغبة منهم فى إزاحة معارضيهم، وأعقب هذا التطهير المزعوم حدوث محاكم أقرب لمحاكم التفتيش كانت من أسوأ ما شاب القضاء الفرنسى العريق، واختفى هذا المصطلح قرابة القرن حتى ظهر فى أعقاب ثورات أمريكا اللاتنية وأدى لنتيجته المحتومة وهى محاكم موجهة وأحكام بإعدام كل المعارضين.
ونخلص من هذا إلى أن النتيجة الحتمية للانسياق وراء هذا الإدعاء المسمى "تطهير القضاء" إنتاج قضاء مشوه، موجه، مسيس وأكثر فساداً من عهود القضاء ما قبل تطهيره وتوليد محاكم تفتيش تكرس عدالتها المزعومة لإرضاء النظام الحاكم وأيدولوجيته المتحيزة والشعاراتية ووأد معارضتة ليس إلا.
2005 وبعدها.. حين هتف الإخوان للقضاء
والقضاء المصرى الذى هو درة العدالة فى الشرق الأوسط ومنبر ومنارة القضاء والقانون فى الوطن العربى، أثبت بأحكامه أنه إنتصر دوماً للعدالة، ولم يضع حساباً أو يلقي بالاً، لرغبات النظام السابق إذ هو القضاء الذى حصلت المعارضة معه على 30 مقعد و نال الإخوان المسلمين على يديه 88 مقعد فى إنتخابات 2005 وكان هتافهم الشهير " يا قضاة ... يا قضاة ... إنتم أملنا بعد الله" ثم أُبعد النظام القضاء عن الإشراف على الانتخابات فى 2010 فكانت الثورة هى النتيجة.
هو ذات القضاء الذى لا يوجد معتقل من التيارات الإسلامية إلا ونال قراراً بإخلاء سبيله، وعدم تنفيذ ذلك كان يرجع للسلطة التنفيذية، وهو القضاء الذى وضع حداً أدنى للأجور وألغى عقد مدينتى وأعاد الشركات المخصصة بعهد مبارك للدولة، وهو القضاء الذى كان شباب جماعة الإخوان يدخلون انتخابات اتحاد الطلاب بناءاً على أحكامه ...
وهو القضاء الذى أشرف على كل نجاح للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية فى انتخابات واستفتاءات ما بعد الثورة، بدءأ من تعديلات مارس 2011 مروراً بانتخابات الشعب والشورى في ديسمبر ويناير سنة 2011 اللتين نالا فيها الأغلبية، حتى انتخابات الرئاسة التى أتت بمرشحهم لسدة الرئاسة، وحتى دستورهم الذى رفضه القضاة، ورفض جل الجماعة القضائية ومعظمها المشاركة في الإشراف عليه، ولكنهم نالوا غايتهم فيه وتم تمريره لأن من أشرف عليه من القضاة نحوا معتقداتهم أمام أمانتهم، هذه أمثلة لا حصر من ألاف الأحكام التى لا يتسع المجال لذكرها من تراث القضاء المصري العريق الذي يستهدفه نظام الإخوان الآن ورئيسه.
هنا يثور سؤال ما الذى تغير في القضاة، فهم ذات القضاة وذات القضاء، أم تغير الذين أشادوا به وتحصنوا فى حصنه "نادى القضاة" قضاءاً أعلنهم أغلبية ومنحهم الحكم حتى أعلى سداته بأمانة المهنة والمسئولية، فما الجديد الذي طرأ على منتقدي من هتفوا باسمهم أمس؟
محاولات إخضاع القضاء لصالح الجماعة
عندما تعارضت مصلحة تلك الجماعة مع عدل القضاء وحيدته صار هدفهم وغايتهم إزالة هذا الحصن الحصين والملاذ الأمين لشعب بأكمله وهو قامة الدولة وعمودها مع قواتها المسلحة.
إن تطهير القضاء ذلك المصطلح الذى يتم عادة وفق طريقة معروفة وهى إزالة القضاة المعارضين، أو الغير قابلين للموالاة، وبعض القضاة الغير صالحين حقاً، والزج بمن يقبل الموالاة والتحزب والتحيز للجماعة الأيديولوجية وما تريد هو الهدف الأخير من هذه الحملة على القضاة والقضاء الشريف، وتدنيسه بمن لا يؤمنون باستقلال القضاء الولاء مقابل إيمانهم بصالح السلطة ومصالح جماعتها، وضم هؤلاء إلى منصة القضاء وإعلاء القضاة المنتمين للنظام القائم بالتطهير "وهو ما حدث فعلياً مع الحركة المعروفة اسما بقضاة من أجل مصر وفعلاً بقضاة من أجل الإخوان".
ومن المضحكات المبكيات أن يتخيلوا أن يقبل القضاة خفض السن مقابل زيادة رواتبهم ومساواتهم بقضاة المحكمة الدستورية، ونسوا أن فى مصر قضاة لا تقبل كرامتهم وضمائرهم، واستقلالهم وعدلهم، مقابلا وإن غلا.
خارج المنطق والقانون
وبالإضافة لذلك فإنه لا علاقة منطقية بين خفض السن وتطهير القضاء، فهل الفاسدون فى القضاء، هم من تعدوا الستين ولا فساد فيمن دون ذلك وهل كل من هم فوق الستين فاسدين؟ إنه اتجاه انتقامى هدفه ترويع القضاة وإخضاع القضاء وتسييسه وأنه قول حق يراد به كل باطل.
إصلاح القضاء.. ليس هكذا
إن القضاء طاهر بفطرته وإن كنا لا ننكر حاجته إلى إصلاح، يتحقق بحُسن اختيار القضاة عند التعيين وحُسن تأهيلهم وتدريبهم وتوفير الظروف العملية والعلمية والمادية والاجتماعية لهم، ليتفرغوا لمهامهم الجسام ومحاسبة من ينحرف منهم ويثبت هذا الانحراف طبقاً للقانون بأشد عقاب.
ولمن يدعي أن القضاة يرفضون المحاسبة هناك أمران:
أولهما: أن القضاة هم أنفسهم الذين تقدموا ببلاغات ضد المستشار عبد المعز إبراهيم وكان وقتها عضواً بالمجلس الأعلى للقضاء، وأن هناك عنبرا بليمان طره يسمى عنبر القضاة يزج فيه بمن ثبت انحرافه وتضييعه للأمانة.
ثانيهما: أن الجهة المناط بها محاسبة القضاة هى التفتيش القضائى الذى يتبع السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة العدل، وهو ما يخرج ادعاءهم تجاه السلطة القضائية عن محله، سيما وأن القضاة هم من ناضلوا لنقل تبعة التفتيش القضائى للسلطة القضائية وإخراجه من عباءة السلطة التنفيذية.
ولعل الغباء السياسى جريمة لا يعاقب عليها القانون ولكن الله يدع الظالمين فى غيهم يعمهون، وكان تعيينهم لنائب عام أعلن صراحة تحيزه لجماعة بعينها، وجمع من حوله من أفقدوا المواطن الثقة فى شعبة أصلية من شُعب القضاء وهى النيابة العامة، بداية متزامنة مع إعلان دستوري باطل ومحاولة لإحداث مذبحة جديدة للقضاء " تؤكد أن الإخوان لا يتذكرون من حقبة الستينات إلا ما فعله بهم الرئيس عبد الناصر ومذبحة القضاء".
ولكن ينقلب السحر على الساحر، فقد قد وحدوا بفعلهم الصف القضائى، وأيقظوا طاقات النضال فى قلوب القضاة، ليس فقط دفاعاً عن قضائهم واستقلالهم بل صارت قضية دفاع عن وطن بأكمله فصار الكل يُنحى خلافه جانباً ويستدير بوجهه وقلبه وقوته وطاقته إلى قضائه، وهو أمر يؤكد أن معركة اليوم هى معركة الحسم فإما أن تموت العدالة أو يسقط استهدافها من نظام يستهدف تمام تسلطه على شعبه ويخشى معارضته أو مخالفته