رغم أن مدينة عين العرب "كوباني" السورية ذات الأغلبية الكردية تبدو أنها تحولت إلى فخ سقط فيه تنظيم "داعش" المتطرف، حيث لم تنجح قوات التنظيم في السيطرة على المدينة بعد قرابة 3 أشهر من القتال الذي بدأه التنظيم بالهجوم على المدينة في 16 سبتمبر الماضي، وكان يخطط للاستيلاء على المدينة في أيام كما فعل في مدن سابقة خاصة في العراق، إلا أن وضع المدينة يشير إلى مشكلة سياسية أكبر بكثير من حجمها على الخريطة.
يشترك في الدفاع عن كوباني قوات كردية جاءت من كردستان العراق وعناصر من الجيش السوري الحر بينما لا يوجد أثر للجيش السوري النظامي في المدينة. وتساهم غارات التحالف الدولي الجوية في فرض حصار على حول المدينة بقطع الطرق على حركة التنظيم، مما أفقده القدرة على الحركة في مجموعات كبيرة أو نقل آليات ثقيلة تساعد في تحقيق تقدم ميداني، بالإضافة إلى استنزاف الأسلحة والذخائر التي غنمها في معارك سابقة.
لكن نجاح المدافعين عن المدينة في وقف تمدد التنظيم، قد يثير مشاكل سياسية كبيرة في المستقبل حتى وإن تم لهم النجاح الكامل في إبعاد التنظيم الإرهابي عن المدينة ودحره تماما هناك. وتتقاطع معارك كوباني في عدة محاور سياسية نتيجة تعدد عناصر الصراع واختلاف مقاصد كل منها. على الأرض يتواجد مقاتلو تنظيم داعش الذي يحاول التمدد واكتساب أرض جديدة ومواقع استراتيجية، ومقاتلون أكراد يجدون في القتال فرصة ذهبية لإثبات الوجود واقتناص أراضي يمكن ضمها لكيان كردي أكبر يضم شمال العراق وسوريا، وربما جنوب تركيا فيما بعد، وعناصر من الجيش السوري الحر ترى ضرورة استراتيجية لمشاركتها في القتال رغم بعد المعركة تكتيكيا عن هدف إسقاط النظام في دمشق.
وبالنظر إلى دوافع تلك القوى يتصرف تنظيم داعش من منطلق التمدد وإقامة دولة على مناطق جديدة، بينما يشعر الأكراد بانتمائهم إلى الأرض وكذلك السوريون، لكن الجيش الحر أضعف من أن يدير القتال على أي محور، وحتى مشاركته في القتال لا بد أن تمر عبر موافقة كردية.
وخارج ميدان المعركة هناك أيضا عدة أطراف متعارضة المصالح، فهناك إقليم كردستان العراق شبه المستقل الذي يدعم أكراد سوريا بالأفراد والعتاد، وهناك النظام التركي الذي جاهر برغبته في السيطرة على المنطقة الحدودية شمال سوريا بأكملها مقابل المشاركة في مواجهة تنظيم داعش أو مجرد توقفه عن دعمه. والنظام الهش في العراق الذي لم يجد حرجا في طلب المعونة القتالية من إقليم كردستان لصد هجمات داعش، وبالتالي منحه الفرصة للاستيلاء على مواقع أعلنت حكومة كردستان أنها لن تردها إذا احتلتها. ونظام دمشق الذي فقد سيطرته على المنطقة منذ أمد طويل وأصبح طرفا خاسرا بدون حليف له على الأرض، وما زال الجيش السوري الحر يبحث عن دعم كاف من أي جهة كانت عربية أو أمريكية أو أوربية، بينما يشارك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالغارات الجوية لعلها تضعف تنظيم داعش وتحجم تمدده في المنطقة.
لكن التحالف لم يحدد بشكل قاطع ما الذي يجب أن تؤول إليه الأمور في النهاية من وجهة نظره، ورغم الإشارة إلى دعم "المعارضة السورية المعتدلة" فإن قوى المعارضة السورية تشكو دائما من فقر الدعم والإمداد، بالإضافة إلى تحدث الإدارة الأمريكية بشكل متكرر عن أن الحرب على داعش "ستستغرق وقتا طويلا وربما سنوات". وهكذا أصبحت مدينة عين العرب "كوباني" معتركا لعدة قوى محلية ودولية يريد كل طرف بسط إرادته عليها، والأرض السورية لا ينظر إليها كذلك من قبل جميع الأطراف المتحاربة، ولا يدفع ثمن ذلك سوى مئات الألوف من النازحين والمشردين من المدنيين والأبرياء الذين تزهق أرواحهم بدم بارد ليل نهار من قبل أطراف متعددة يتهم كل منها الآخر بأنه مجرم حرب