الاثنين، 24 فبراير 2014

مصر: استقالة حكومة الببلاوي - الإيجابيات والسلبيات

أعلن صباح اليوم في مصر عن استقالة الحكومة التي يرأسها الخبير الاقتصادي الدكتور حازم الببلاوي منذ إسقاط حكمة الإخوان في يوليو الماضي. 
وأعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء الدكتور هاني صلاح أن استقالة الحكمة جاءت بعد تشاور بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور. وأضاف المتحدث أن الحكومة قدمت استقالتها بكامل هيئتها اعتبارا من اليوم لكنها مستمرة في تسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة بتكليف جديد من رئيس الجمهورية. وقد تم قبول الاستقالة من قبل الرئيس بينما أعلن عن بدء مشاورات لاختيار رئيس جديد للوزراء، ويرجح أن يكون وزير الإسكان الحالي المهندس إبراهيم محلب، الذي قام بالفعل بزيارة تشاورية إلى قصر الرئاسة.

وبرر الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي قرار الاستقالة بأن حكومة الببلاوي قد تعرضت لانتقادات إعلامية قاسية خلال فترة عملها، بينما عرض الببلاوي ملخصا لإنجازات وزارته مشيرا إلى أن الحكومة نجحت في تقليص العجز في الموازنة من 14% إلى 10% خلال سبعة أشهر. وأضاف حسام عيسى أن الحكومة المستقيلة نجحت أيضا في فك حصار الدولي ضرب على مصر عقب إسقاط حكومة الإخوان وفسر ذلك بعودة الدعم الأوربي لأنشطة اقتصادية واجتماعية في مصر تم تجميدها في السابق، وعودة اشتراك مصر في المؤتمرات الدولية بعد فترة قصيرة من رفض الاعتراف بالأوضاع الجديدة في مصر. 
وقال عيسى تعليقا على عودة الحرس الجامعي بحكم قضائي اليوم إن حرس الجامعة كان موقوفا بحكم قضائي أيضا قيد من حركة الحكومة تجاه أحداث الشغب في الجامعة التي قام بها طلاب منتمين لتنظيم الإخوان، وأن الحكم الجديد سيتيح عودة الحرس دون قيود قضائية.

وكان شغب الجامعات من أبرز التحديات التي واجهتها حكومة الببلاوي، وبسببها تعرضت الحكومة ووزارة التعليم العالي لانتقادات شديدة للتراخي في مواجهة الشغب الذي قام به طلاب أعضاء في جماعة الإخوان بهدف تعطيل الدراسة إلى أن تم تخريب وحرق عدة مباني جامعية وتكرر الاعتداء على رؤساء جامعات وأساتذة جامعيين ووقوع وفيات ومصابين.
كما وجهت اتهامات للحكومة المستقيلة بالتباطؤ في إقرار قانون الحد الأدنى للأجور، وهو أحد مطالب الثورة المصرية، وبالفشل في تنفيذه بعد إقراره، حيث اكتشف العمال أن القانون لا يشمل الجميع مما أدى إلى سلسلة من الإضرابات في الشركات والمرافق من قبل عمال يطالبون بالمساواة، وهي أيضا إحدى مطالب الثورة التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية منذ قيامها ضد نظام مبارك ثم ضد نظام الإخوان الذي فشل في تحقيق نفس المطالب.

بدأ انتقاد حكومة الببلاوي مبكرا بعد تشكيلها حين اكتشف المصريون فشلها الذريع في مخاطبة العالم الخارجي، وتقاعس أجهزتها في أداء رسالته السياسية والدبلوماسية والإعلامية، مما أدى إلى سبق جماعة الإخوان في الاتصال بمراكز الإعلام الدولي التي أفردت صفحات لمناصرة الإخوان وإظهارهم بمظهر الضحية البريئة، ومهاجمة النظام الجديد واستخدام مصطلح جماعة الإخوان في وصفه بالانقلاب. وقد أدى هذا إلى شعور شعبي عام بالاستياء الشديد من أداء الحكومة في هذا الصدد حيث اعتبر المصريون تجاهل ثورتهم في 30 يونيو ضد الإخوان التي اشترك فيها أكثر من 30 مليون مصري في جميع أنحاء مصر إهانة للشعب المصري وإرادته.

وربما من أخطر ما واجهته حكومة الببلاوي اتهامها بأنها تضم في أعضائها وزراء وصفتهم قوى سياسية وجهات إعلامية بأنهم يشكلون ما يعرف باسم "الطابور الخامس" بسبب مواصلتهم الحديث عن المصالحة مع الإخوان رغم الرفض الشعبي، ورغم تورط أنصار الإخوان في عمليات إرهابية، بعد توقفهم عن تسيير المظاهرات، هدفها بث الرعب بين المواطنين وشل حركة الحياة اليومية للضغط على الحكومة لأغراض سياسية أهمها عودة الرئيس المعزول والإفراج عن قادة الإخوان المحبوسين على ذمة قضايا جنائية. وكان من أبرز الأسماء المتهمين بمهادنة الإخوان نائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين، الاقتصادي الذي لم يفلح في نيل تأييد أي طرف، وباتت استقالته محل أخبار الصحف بصفة يومية تقريبا، كما كثر الحديث عن تعديلات وزارية دون إجراء أي منها. وتعالت أصوات كثيرة في مصر تطالب بإقصاء كل من يبرر أو يمرر المصالحة مع الإخوان وعدم مراعاة الإرادة الشعبية التي انتفضت ضدهم.

ورغم ذلك يحسب لحكومة الببلاوي، التي طالما وصفت بأنها حكومة " الأيدي المرتعشة"، إقدامها على خطوات سياسية هامة رغم مجيئها متأخرة، منها توقيع قرار فض اعتصامات الإخوان، وإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية.
ورغم ضم خبرات اقتصادية كبيرة فإن أهم ما تشير إليه إيجابيات وسلبيات الحكومة المستقيلة هو أن المرحلة الحالية قد تحتاج إلى قيادة سياسية تستطيع مخاطبة الشعب بلغته الحية أكثر منها اقتصادية تتعامل بلغة الأرقام الجافة. وربما كان ذلك خطأ من البداية من القيادة السياسية بالإفراط بالتفاؤل في توقع سير الأمور وعدم إدراك غلبة أهمية الجانب السياسي على الجانب الاقتصادي، ولا يقتصر الجانب السياسي على معالجة قضية الإخوان أو معاملة العالم الخارجي، بل أيضا مخاطبة الشعب بشفافية كافية، والقدرة على تحفيز الشعب للعمل والإنتاج بدلا من التظاهر والإضراب. وتبقى تلك القدرات هي مقياس نجاح الحكومة القادمة بصرف النظر عن تشكيلها.