تحاول الحكومة التونسية التي تهيمن عليها حركة النهضة الإخوانية الخروج من أزمة سياسية ضاغطة بسبب المعارضة المستمرة، والتي تهدد الحركة بنفس المصير الذي هوت إليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
وتتشابه المعارضة التونسية مع المعارضة المصرية التي واجهت حكومة الإخوان في مصر حتى في الاتجاهات والتسميات والشعارات، فتشكلت جبهة إنقاذ وحركة تمرد في تونس كما حدث في مصر. وبينما كان عدو المعارضة الأول في مصر هو عملية "أخونة الدولة" لم تتجه حركة النهضة في تونس إلى احتكار السلطة مباشرة ودخلت في شراكة سياسية مع القوى الأخرى، لكنها تمسكت بسياسات حزبية ضيقة، كما فشلت في إقناع الشعب التونسي بجدية شعاراتها التي أوصلتها للفوز بحوالي 40% من الأصوات في الانتخابات، وتبخرت جميع الوعود التي خدرت الناخب في جو ثوري حالم بمستقبل أفضل.
وبات الشعب يتساءل ما إذا كانت شعارات النهضة وأهدافها المعلنة مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، وموجات من التفاؤل المخلوط بالوهم تتحطم على صخرة الواقع، فالاقتصاد يسوء ويؤثر ضعف الاقتصاد على الأحوال الاجتماعية للمواطن التونسي بصورة يومية، ربما أسوأ من الوضع السائد قبل ثورة الياسمين، ولا شك أن العامل الاقتصادي كان يعمل ضد حكومة الإخوان الساقطة في مصر.
من أوجه التشابه بين الأوضاع في مصر وتونس أيضا استقلال المؤسسة العسكرية والأمنية في تونس واحتفاظها بمواقعها خارج سيطرة الحكومة، وفي نفس الوقت تنظر إليها بعض قوى المعارضة باعتبارها من يمكنه أن يلعب دور المخلص في وقت ما.
وتجتذب قوى المعارضة السياسية إليها قوى أخرى شعبية معظمها عمالية متمثلة في اتحاد الشغل وغيره، مما يزيد من ضيق المأزق الذي تواجهه حركة النهضة، خاصة بعد نجاح المعارضة في حشد مظاهرات هائلة شهدتها تونس لأسابيع. ويضاف إلى عوامل الضغط على الحكومة أعمال العنف المسلح التي تواجهها قوات الشرطة والجيش بصورة يومية تقريبا. ووسط هذا الصراع يدور حوار لا يمكن التنبؤ بمصيره مصيره، وكل طرف يتشبث بموقفه فيما يشبه لعبة شد الحبل. لكن قوى المعارضة نجحت في استقطاب الشارع عقب اغتيال اثنين من قادتها وهو ما أشعل غضب الكثيرين وألقى بظلال من الشك حول تورط حركة النهضة في عمليات الاغتيال خاصة تساهلها من مرتكبيها.
ولعبت مصر دورا غير مباشر في التأثير على مجريات الأحداث في تونس بالإطاحة بالرئيس الإخواني، فقد شجع ذلك المعارضة على المضي قدما في الضغط بكافة الوسائل وعدم الاستسلام لمراوغات النهضة، ومن ناحية أخرى ألقى بحمل ثقيل على حكومة النهضة بل وعلى حزبها المتآخي مع حركة الإخوان في مصر والتنظيم العالمي للإخوان. ولا شك أن ما كانت تفكر فيه الحركة من مناورات وصفقات سياسية قد أصبح سلاحا ذو حدين، فهي تخشى تقديم تنازلات تؤثر على مكاسبها في السلطة وتضعف من سيطرتها، ومن ناحية أخرى ينصحها الناصحون بأن ترخي من قبضتها على الحكم كي لا تواجه مصير إخوان مصر إذا ما انزلقت البلاد إلى الاقتتال والفوضى بسبب تمسكها بمواقعها الحالية.
وبينما تسعى المعارضة إلى إسقاط الحكومة عن طريق التعبئة الشعبية وحشد المظاهرات بهدف تشكيل كيان حكومي تشارك فيه جميع القوى، تتردد حركة النهضة في تقديم هذا التنازل قبل إقرار الدستور الذي تحاول إتمام صياغته وفق منهجها، وقبل أن تتمكن المعارضة من فرض رؤية دستورية قد تنتزع منها أولويات قد تهدد بقاء الحركة في السلطة، أو على الأقل لا تضمن لها ذراعا طويلة في المستقبل. ورغم أن الحركة قد لوحت بإمكانية التنازل عن الحكومة مقابل إبقاء المجلس التأسيسي إلا أن هذا المسار لا يزال متعثرا بخطوة للأمام وأخرى للخلف.