الاثنين، 19 أغسطس 2013

الغرب: معايير مزدوجة ومراهنة على جواد خاسر

أثار موقف الغرب تجاه مصر استياء غالبية الشعب المصري، خاصة تهديد واشنطن وعواصم غربية أخرى بوقف التعامل مع مصر، بالإضافة إلى الأبواق الإعلامية المتفجرة غضبا على الإدارة المصرية المؤقتة، وتأييدا أعمى لجماعة الإخوان وإظهارها بمظهر الضحية دائما، رغم انتهاجها للعنف الواضح وإراقة الدماء في شوارع مصر وتخريب وحرق منشآتها.
موقف الإخوان يكرر موقف ديكتاتور ليبيا القذافي عندما هدد بحرق مدينة بنغازي قبل عام. واستمع مجلس الأمن إلى المندوب الليبي الذي بكى شاكيا ومستعطفا مجلس الأمن " القذافي يقول لنا باختصار إما أن أحكمكم أو أقتلكم". 
هذا هو موقف الإخوان اليوم المتحد تماما مع موقف القذافي. وهذه هو بالضبط الموقف الذي اتخذه الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عندما قال قبل إقالته بيوم واحد "دونها حياتي ودمائي" وقال في مناسبات سابقة "دونها رقبتي".. إن لم يكن هذا تهديدا وترويعا للشعوب فكيف يكون التهديد؟ 
 لم يكن محمد مرسي يهذي عندما قال هذه الكلمات، بل كان يعي تماما ما يقول، وهو ما تحقق بعد إقالته على الأرض. لكنها هستيريا الخسارة ويأس المقامرين، ولن يقود ذلك الجماعة إلا إلى مزيد من الخسائر إن لم يكن إلى النهاية التاريخية.

ويشعر ملايين من المصريين خرجوا يوم 30 يونيو مطالبين بإسقاط حكم الإخوان، بتحيز الغرب وإعلامه والتواطؤ مع جماعة الإخوان وتجاهل العنف الذي تمارسه الجماعة ليل نهار، بدءا بإطلاق الرصاص على المواطنين في الشوارع إلى حرق عشرات الكنائس والقيام بعمليات إرهابية في سيناء.

والثابت أن إدارة أوباما لم تتحرك لصالح الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد عزله، رغم تولي المجلس العسكري السلطة بشكل مباشر ومادي، ولم يصف أحد الثورة عليه بأنها انقلاب، بل قال الجميع في انبهار "إن هذه إرادة الشعب". فلماذا لم يستمع الغرب إلى صوت الشعب هذه المرة ضد حاكم أشد استبدادا وفرعنة من حسني مبارك؟ 
إنه ازدواج المعايير في أقبح صوره، لأنه ضد إرادة الشعوب. إن مصر تواجه آلاف المسلحين، ومنهم غير مصريين، لكن الغرب يغض النظر عن ذلك، فهل يرضى عنه أو يتجاهله لأنه يريد لمصر الخراب؟ وهو مصلحة إسرائيلية مباشرة يعمل من أجلها اللوبي الصهيوني في أمريكا وغيرها؟ 

أدانت الإدارة الأميركية إعلان حالة الطوارئ في مصر لمواجهة عنف الإخوان المسلح، بينما أغلقت مدينة بوسطن بالكامل وأوقفت الحياة فيها لوجود إرهابيين اثنين فقط عقب انفجار "حلّتي طبخ" أثناء الماراثون في أبريل. وقبل ذلك سكتت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن حكم الطوارئ في مصر خلال 30 عاما من حكم مبارك 1981 - 2011 لم يتوقف يوما واحدا.
وأدان الغرب تصدي الأمن لمظاهرات 25 يناير السلمية، لكنه أنكر تصديه لاعتصامات مسلحة هددت قيادات الإخوان من على منصتها بحرق مصر، وأدارت من عليها أعمال العنف وقطع الطرق في أحياء القاهرة، وأعلنت تهديدات مسجلة بالصوت والصورة بأن الإرهاب في سيناء سيتوقف فقط بإعادة مرسي إلى الحكم. بينما فضت الإدارة الأمريكية اعتصام "وول ستريت" بكل قسوة ودون أن تهتز لها شعرة حياء. وكذلك فعل البريطانيون الفرنسيون والأتراك وغيرهم، وكذلك فعلت جنوب إفريقيا بقتل المحتجين بالأسلحة الآلية.

لا يوجد بلد في العالم يقبل بأي شيء مما تمارسه جماعة الإخوان في مصر. تتدخل قوات الأمن في كل مكان بكل حزم لفض الاعتصامات ولمطاردة المسلحين ولاسترجاع الأمن حينما تهدد الشوارع والميادين بمجرد الفوضى دون التخريب أو القتل أو الحرق.

السؤال هو هل خدع الإخوان الغرب بإيهامهم أنهم أصحاب أغلبية شعبية وأنهم قادرون على السيطرة على مصر وتمرير مصالح واشنطن وحلفائها أكثر من أي طرف آخر؟ أم أن الإدارة الأمريكية هي التي رعت ومولت وأعدت الإخوان للوصول إلى السلطة مقابل أجندة خاصة؟ إن كان هذا أو ذاك فالإجابة واضحة .. لقد راهنت الإدارة الأمريكية على جواد خاسر.

لكن موقف تلك الإدارات يضع علامات استفهام كبيرة حول من المستفيد من وراء الخراب في الشرق الأوسط؟ في ليبيا وسوريا والعراق والآن مصر؟ هل هم شعوب المنطقة؟ هل هم حكامها؟ بالطيع لا .. هذا يؤدي بنا إلى الإجابة الوحيدة المنطقية .. إنهم أغنياء الحرب في أمريكا وأوربا .. بدءا من تجار السلاح إلى تجار الحبوب ومرورا بالاحتكارات الدولية وصفقات إعادة الإعمار، هي قوى تريد أن تجعل من الشرق الأوسط سوقا تابعة ومغذية لرواجها، عبر تدميره أولا ..

لكن الشعوب ليست مثل بعضها، وشعب مصر يعرف عنه العالم والتاريخ أنه قادر على تغيير العالم، بما يحدثه من تغيير على أرضه، وأن الحجر الذي يلقى في نيل مصر كفيل بخلق أمواج تغير الدنيا كلها، وأن رسالة الشعب المصري للدنيا لم تكن في يوم من الأيام رسالة تدمير وبغي وفناء، وإنما دائما رسالة سلام ومحبة وبناء